تحليل: شبح الانتقام الفرنسي يخيم على أجواء أفريقيا

لن يكون أمراً عادياً في المغرب العربي وأفريقيا..

 لن يكون أمراً عادياً في المغرب العربي وأفريقيا.. هكذا يجمع أغلب المتابعين للحدث الجلل الذي هز العاصمة الفرنسية باريس صباح أمس رغم أن المنفذ المباشر والمخطط المحتمل ما يزال مجهولاً لدى كافة الدوائر الأمنية والإعلامية والسياسية بباريس، كما أن الدولة التي ينتمي إليها الفاعلون المفترضون لا تزال مجهولة رغم الصوت العربي القادم من كاميرات التسجيل في الشوارع المحيطة لأحد المنفذين، وهو يكبر ويردد عبارة: “انتقمنا للرسول صلى الله عليه وسلم.

لقد كانت بالفعل لحظة فارقة في تاريخ العنف الموجه بفرنسا، ونتيجة لم يتوقعها أكثر المتشائمين لتصرف بعض الرسامين، وهم يلعبون بالنار في صحيفتهم الساخرة، ناسين أو متناسين أن العنف المسلح بات خارج دائرة التحكم، وأن أوروبا المزهوة بحضارتها وحريتها – غير المنضبطة – قد تجر الخراب لذاتها وللعالم الذي يحاول أن يستفيق من سنوات استعمارها اللعين، قبل أن تواجهه سكرة تطرف قوامها الاحتلال العسكري الأجنبي والتطرف الداخلي، والمستبدين، ثلاثية باتت أخطر مرض تواجهه شعوب القارة الأفريقية والعالم الإسلامي عموماً.

كيف وقعت الكارثة؟

لم تعش فرنسا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تهديداً أمنياً بهذه الدرجة، مسلحون يتجولون بحرية في شوارع باريس المنتشية بعام ميلادي جديد، ولعلعة الرصاص تدك أكثر المواقع الإعلامية شهرة في الفترة الأخيرة، والرصاص يخترق بكل تركيز أجساد ضحاياه المختارين بعناية ودقة يصعب تصورها، وإجهاز على آخر الشهود في المعركة بعد أن حمله سوء الحظ إلى رفع رأسه في الوقت الغلط، وانسحاب شبيه بما نشاهده في أفلام الرعب الأمريكية دون ملاحقة أو مراقبة، وصرخات تكبير هذه المرة في باريس وليست كوباني أو سنجار، وتحرك باتجاه طمر آثار الجريمة أو طمر آثار مرتكبيها علي أقل تقدير!

هو يوم حزن في فرنسا كما قال الرئيس الفرنسي “فرانسوا أولاند” صاحب الشعبية المنهارة، ولحظة عصيبة على الأمة الفرنسية كما يقول وزير دفاعه المتحفز لعمل جنوني في مناطق أخرى من العالم بغية رد الاعتبار لذاته وقواته بعد أن شبعت أعين الفرنسيين من الدماء المسالة داخل مكان ظل إلى وقت قريب يستعمل أصحابه الحبر والورق في تعاملهم غير الودي مع الغير، قبل أن يدفنوا داخل اجتماع التحرير الأخير برصاص بعض المسلحين المجهولين.

أين سيكون الرد؟

ارتبك الجناة المجزرة بكل برودة أعصاب، وراحوا يطوفون شوارع باريس وهم منتشون بالفعلة التي أقدموا عليها، لكنهم لم يفكروا ولو للحظة واحدة كيف سيكون وضع الملايين من المسلمين يعيشون في ديار الغرب، بعد أن استطاعت بضع رصاصات إطلاق شرارة حرب لما تتضح معالمها.

تدرك فرنسا جيداً، ومجمل عقلاء الغرب، أن أحداً لم يستشر الجاليات المسلمة في العالم الغربي أو المهتمين بالصحوة الإسلامية وقادتها في العالم العربي حول القيام بعملية مسلحة من أجل قتل بضعة أشخاص مهما كانت فداحة الجرم الذي ارتكبوه قبل سنتين أو ارتكبه بعضهم على أصح تقدير.

لكن الجميع يدرك كذلك أن فرنسا المجروحة في كبريائها العسكري والأمني، المتحفز للهيمنة ستحاول الرد بطرق بدائية كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001م بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من خلال استهداف بؤر الإرهاب في العالم كما تقول الدوائر الأمنية والإعلامية، مع محاصرة المد الإسلامي في أوروبا، والذي بدأ يأخذ مكانته بفعل حيوية أبناء الحركة الإسلامية، ونجاعة المنهج الوسطي الذي اختاروا، بعيداً عن لغة الرصاص والدم التي حولت دولاً بأكملها إلى خراب، وأجهضت مشاريع أمة راهنت على وعي أبنائها، وإنصاف الغير، من أجل نشر دين أو حماية متدين، أو التمكين لمؤسسات هدفها الأول إسعاد الناس في الدنيا والآخرة، وليس دفعهم فرادى وجماعات إلى الجحيم.

ولعل أبرز الخيارات المتاحة أمام الفرنسيين أو المتوقعة بحكم العقلية الغربية المتكلسة هو استهداف الجاليات الإسلامية باختلاف مشاربها، وهو أمر مؤسف وغير منصف، والتمكين لليمين المتطرف الذي باتت أحلامه في طريقها إلى التحقق بفعل النزعة الغربية اليمينية، والعقلية المتخلفة لبعض أبناء الأمة الإسلامية في ديار الغرب.

كما أن صدى أصوات الرصاص الفرنسي قد تسمع خلال الأيام القادمة في بنغازي أو عدن في محاولة لرد الاعتبار لبلد الحريات المكلوم بفقدان هيبته قبل مواطنيه، في استنساخ للتجربة البائسة لواشنطن في أفغانستان والعراق.

ولئن كانت الضربة التي قام بها “تنظيم القاعدة” في الولايات المتحدة قد غيرت مجرى الحياة بشكل غير متوقع في الشرق الأوسط وآسيا، فإن الضربة التي تمت اليوم في فرنسا قد تكون لها تداعيات وخيمة على الاستقرار في المغرب العربي وأفريقيا، ما لم تتعقل فرنسا – وهو أمر مستبعد – أو تتحرك النخبة المغاربية لامتصاص الصدمة، والتأكيد على التضامن في وجع الغزو الخارجي المتوقع، باعتباره يخطئ الجاني، ويزيد من عذاب البريء الضحية.

إن فرنسا المتمركزة منذ سنتين في مالي والنيجر، والمتحفزة منذ أسابيع للتدخل العسكري في ليبيا، الشريكة في إجهاض حلم التونسيين، والمناهضة للنفوذ الجزائري في المنطقة، والمحتلة لأفريقيا الوسطي وساحل العاج، قد تكون أكبر مستفيد من عملية القتل البشعة التي تمت اليوم من أجل فرض سيطرتها على المشهد الأفريقي المتأزمة، ورفع دماء رساميها في وجه كل مخالف باعتباره صاحبة حق تحاول أخذه، وضحية إرهاب معنية بقمع فاعليه.

 

 

 

Exit mobile version