أطباء: قانون المستشفيات الجامعية يهدر صحة المصريين

فيما يتواصل غضب الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي في مصر، إثر قانون “تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية”، تتسارع الجهود الحكومية لإقراره دون الرجوع لآراء الأطباء أنفسهم أو حتى نقابتهم، من قبل الرئاسة قبل انتخابات البرلمان المقبل.

فيما يتواصل غضب الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي في مصر، إثر قانون “تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية”، تتسارع الجهود الحكومية لإقراره دون الرجوع لآراء الأطباء أنفسهم أو حتى نقابتهم، من قبل الرئاسة قبل انتخابات البرلمان المقبل.

وقد صف د. خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء، القانون بمحاولة تخريب المنظومة الصحية، مستنكراً إصرار وزير التعليم العالي د. السيد عبدالخالق على القانون ودفاعه المستميت عنه، مرجعاً تلك الجهود إلى محاولة التخلص من أساتذة الجامعات، وجعل المستشفيات الجامعية تحت ولاية وزير التعليم العالي دون التفكير في حجم الضرر الذي سيلحق بالمنظومة الطبية.

في السياق ذاته، حذر د. إيهاب الطاهر، الأمين العام لنقابة أطباء القاهرة، من تحول المستشفيات الجامعية إلى شركات قطاع أعمال هادفة للربح بموجب القانون الجديد.

وأضاف خلال مؤتمر عقدته النقابة العامة للأطباء، مؤخراً، ظاهره تفرغ بعض الأساتذة للعمل بالمستشفيات الجامعية لتقديم خدمة طبية أفضل، لكن باطنه ينطوي على قتل المرضى الفقراء وخصخصة الخدمات الصحية في مصر، على حد تعبيره.

وأوضح أن مقترح القانون ينص على أن تكون ميزانيات المستشفيات من الموارد الذاتية دون أي ذكر لدور الدولة في دعمها، كما لم ينص على أي عبارة تخص العلاج المجاني، لافتاً إلى أن العلاج على نفقة الدولة بالمستشفيات الجامعية سيتوقف لأنه يحسب بسعر التكلفة فقط.

وحذر الطاهر من أن جميع التبرعات من أجل دعم العلاج المجاني لمرضى الأورام والقلب ستتوقف، وأن المرضى الفقراء لن يجدوا مكاناً لعلاج الأمراض المعقدة التي لا يمكن علاجها إلا بالمستشفيات الجامعية.

 وشدد على أن الفصل بين كليات الطب وبين المستشفيات الجامعية سيؤدي إلى تقلص الأبحاث العلمية، إلى جانب تقليص فرص تدريب وتعليم طلاب كليات الطب وأطباء الامتياز والأطباء المقيمين بالمستشفيات الجامعية، نظراً لقلة عدد الأساتذة القائمين بالتدريب، وتجنيب بعض الكفاءات التي لن يتعاقد معها، حسب قوله.

فيما استغربت، نقيب عام التمريض، د. كوثر محمود، من تسارع الحكومة لإصدار القانون، مشددة على أن قانون مزاولة المهنة أولى بالإقرار؛ نظراً للعجز الذي تعانيه المستشفيات بالتمريض وحتمية تحسين أوضاعهم وإعادة توزيعهم بحسب الأولويات على أقسام ووحدات الرعاية الحرجة والاستقبال والطوارئ وحديثي الولادة، مشيرة في تصريحات صحفية، إلى أنَّ هناك 21 ألف ممرض وممرضة يعملون بالمستشفيات الجامعية.

مأساة 81 مستشفى

ويصل عدد المستشفيات الجامعية في مصر 81 مستشفى جامعياً، وفقاً لإحصاءات عام 2013م، وتقدم خدمة تعليمية لحوالي 11 ألف خريج من كلية الطب وخدمة صحية لحوالي 16 مليون مواطن بنسبة 30% من إجمالي الخدمة الصحية المقدمة، كما إنها تقدم حوالي 70% من الخدمة الصحية في الحالات المرضية المعقدة.

ويأتي مشروع قانون تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية الجديد الذي قدمته لجنة يترأسها وزير التعليم العالي سيد عبدالخالق، لتضرب منظومة التعليم الطبي في مقتل وتتخلى بشكل صريح عن مسؤولية الدولة في الإنفاق على هذا القطاع وتحوله إلى مجموعة من الوحدات الاقتصادية ذاتية التمويل تمهيداً لخصخصتها.

مخطط “مبارك – الجبلي” يعود

وتنص (المادة الأولى) من مشروع القانون أن تكون المستشفيات الجامعية مستقلة مالياً، وتعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الجامعة، كما تنص (المادة 14) من المشروع على أن يكون لكل مستشفى جامعي حساب خاص بالبنك يحدده مجلس الأمناء بالجامعة بالعملتين المحلية والأجنبية، وتتكون موارده من مقابل الخدمات التي تُؤدى للغير والتبرعات التي يقبلها مجلس الأمناء وعائد استثمار الأموال الخاصة بالمستشفى، ومقابل العلاج بأجر وفقاً لما يحدده المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، والمصروفات الإدارية المقررة، ويصدر المجلس الأعلى لائحة تنظيم كيفية الصرف من هذين الحسابين.

وبالتالي فميزانيات المستشفيات وفقاً للمشروع ستكون من الموارد الذاتية والاستثمارات من القطاع الخاص والعلاج بأجر بدون أي دور للدولة في دعمها، ودون أدنى ذكر للعلاج المجاني؛ مما يعني أن تتحول هذه المستشفيات إلى شركات قطاع أعمال هادفة للربح، وستتحول الخدمة الطبية تدريجياً إلى علاج بأجر حتى يمكن الإنفاق على التعاقدات وشراء المستلزمات والأجهزة الطبية والأدوية، كما أن المشروع سيوقف العلاج على نفقة الدولة؛ لأنه يتم بسعر التكلفة فقط، ويصل إجمالي عدد المرضى الذين تم علاجهم على نفقة الدولة بالخارج والداخل 1.6 مليون مريض بتكلفة 3 مليارات جنيه عام 2013م.

ووفق الخبراء فإن الدولة تسعى، وفقاً لهذا القانون إلى إعادة إنتاج رؤية حاتم الجبلي، وزير صحة مبارك، بسحب ذراعها التمويلية من هذا القطاع الذي يقدم الخدمة لـ16 مليون مواطن من محدودي الدخل، والاكتفاء بالدور الرقابي عبر مجلس الأمناء المعين بالكامل من وزير التعليم العالي، وبالتالي تحويل هذه المستشفيات إلى وحدات اقتصادية ذاتية التمويل، فاتحاً الباب للاستثمار بهذا القطاع، وإيجاد شكل من أشكال الشراكة مع القطاع الخاص، وبالتالي رفع عبء تكلفة الخدمة عن كاهل الدولة وتحميلها على المواطن محدود الدخل؛ بحجة تحسين الخدمة، ويعد هذا أحد أشكال تصدير الأزمة لأسفل، وتحويل الصراع من صراع ما بين الدولة والمنتفعين، إلى صراع بين مقدمي الخدمة والمنتفع مباشرةً.

كما نصت المادة الأولى من مشروع القانون أيضاً على أن تكون المستشفيات الجامعية وحدات مستقلة إدارياً وفنياً، وتعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الجامعة، ونصت المادة الرابعة من القانون على تشكيل مجلس أعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي وعضوية كل من ممثلين عن وزارات الصحة والتخطيط والمالية، و7 من رؤساء الجامعات يصدر بعضويتهم قرار من وزير التعليم العالي لمدة 3 سنوات بالتناوب بين الجامعات، وأمين المجلس الأعلى للجامعات، و3 ممثلين عن القطاع الطبي يصدر بتعيينهم قرار من وزير التعليم العالي لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، و5 من المديرين التنفيذيين للمستشفيات الجامعية يصدر بشأنهم قرار من وزير التعليم العالي لمدة 3 سنوات، مما يهدر تماماً مبدأ استقلال الجامعات بإعطاء صلاحيات مطلقة للسلطة التنفيذية، متمثلة في وزير التعليم العالي، في اختيار المجلس كاملاً، وسلطات واسعة لرئيس الجامعة في اختيار مجلس أمناء كل مستشفى جامعي.

كما همّش تماماً المشروع دور عمداء كليات الطب؛ مما قلب الهرم التعليمي والبحثي، فبدلاً من أن تكون المستشفيات الجامعية هي الذراع التعليمية والبحثية والتدريبية لكليات الطب، تحولت إلى مجرد تابع، وهذا الفصل بين كليات الطب وبين المستشفيات الجامعية سيؤدي إلى تقلص الأبحاث العلمية؛ وبالتالي تقليص فرص تدريب وتعليم طلاب كليات الطب وأطباء الامتياز والأطباء المقيمين بالمستشفيات الجامعية؛ وبالتالي مزيد من التدهور في مستوى الخريجين، وقد كشف رئيس القطاع الطبي بالمجلس الأعلى للجامعات د. رشاد برسوم عن أن 30% من خريجي كليات الطب في مصر لا يعملون في تخصصاتهم، بل في مهن أخرى من بينها العمل بالفنادق، وأن 10% منهم يحصلون على شهادات عليا، في حين يكتفي 90% بالبكالوريوس فقط، وهناك 24 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن، من بينهم 8 لا يمارسون مهنة الطب، وهي نسبة اعتبرتها منظمة الصحة العالمية عقبة أمام تحقيق معدلات التغطية الوافية بالخدمات الرئيسة للرعاية الصحية الأولية، حسب أولويات الإستراتيجية الإنمائية للألفية الجديدة؛ مما انعكس وسيرتد بالسلب على مستوى الخدمة المقدمة للمرضى الفقراء.

كما أن المشروع يطيح بفكرة العقود الدائمة مرسخاً لفكرة العقود المؤقتة، فينص على فض التعاقدات القديمة مع الأساتذة والبدء في تعاقدات جديدة مع بعض الأساتذة للعمل بالمستشفيات الجامعية، وبالتالي ستفقد المنظومة التعليمية بعض الكفاءات المهمة التي لن يتم التعاقد معها؛ مما سيؤثر على مستوى التعليم الطبي في مصر، كما يضع هذا المشروع الأساتذة المتعاقدين تحت رحمة السلطة التنفيذية وسلطة رأس المال، ويفتح الباب لتدخل المجاملات والمحسوبية وتحريات الأمن الوطني والمخابرات.

بيئة عمل طاردة

فيما نصت (المادة الثالثة عشرة) على ترسيخ فكر التعاقد مرة ثانية مع صغار الأطباء بتعيين الطبيب المقيم من أوائل الخريجين بكليات الطب ومعاوني أعضاء هيئة التدريس بالكلية أو المعهد لمدة 5 سنوات، ويتم التعاقد مع جميعهم لاستكمال تدريبهم وتعليمهم وفقاً للضوابط المبنية بـ”اللائحة التنفيذية”، وطبقاً “للاحتياج الفعلي للمستشفيات بما يضمن تواجدهم على مدار الساعة”؛ مما يفتح الباب لسياسات الاستغلال و”التطفيش” لهم.

 تنفيع الخاص

يأتي هذا المشروع ضمن توجه عام من نظام “السيسي –مبارك” لفتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجال الخدمات، التي قدمت سابقاً بشكل مجاني أو شبه مجاني بعد خصخصة نظم الحماية الاجتماعية، مثل التأمين الصحي، والتأمينات الاجتماعية، وفتح الباب للاستثمار في الخدمات التي تقدم على أساس التعريفة؛ مثل الماء والاتصالات والنقل والكهرباء وغيرها، في محاولة تمرير مشروع قانون الشراكة بین القطاعین العام والخاص في البنية التحتية، هذا المشروع الذي حاول يوسف بطرس غالي، وزير مالية “مبارك”، تمريره قبل ثورة 25 يناير التي قطعت الطريق أمامه بأيام قليلة.

ويبقى المريض الفقير يواجه المجهول بين مستشفيات حكومية تخصخص، ومستشفيات خاصة لا يستطيع دخولها، ومستشفيات أهلية تحارب وتجمد حساباتها، كما حدث مؤخراً مع مستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية، ومستشفيات الجمعية الشرعية، بدعوى محاربة “الإرهاب”!

وفي هذا السياق، يقول د. أشرف أبو زيد، مدير التخطيط والجودة بالجمعية الطبية الإسلامية: تعاني مستشفيات الحكومة من الإهمال وعدم مراعاة أدنى قيم السلامة الطبية، أما المستشفيات الخاصة فتعلي من قيم الربح على حساب المريض الذي يعاني الفقر والتدني بالمستوى الاقتصادي، كما تعاني مستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية من تجميد أرصدتها بصورة تعرقل عملنا، فيما الأمل الباقي في المستشفيات الجامعية التي تعد الأمل المتبقي للفقراء، الذي يأبى النظام القائم على إغلاقه لا لشيء إلا لتوفير النفقات الحكومية، بالرغم من أن أمامه الكثير من الحلول الاقتصادية التي تؤمن دخلاً لميزانية الدولة، دون المساس بحق المريض الفقير، كتطوير بعض الوحدات وتشغيلها بنظام استثماري للقادرين، أو تسويق الخدمات المميزة.

Exit mobile version