لبنان 2014.. فراغ رئاسي وإرهاب عابر

إذا كان لبنان نجح منذ بداية الانتفاضات العربية في عام 2011م بالنأي بنفسه عن الحروب والأزمات في المنطقة وأبرزها سورية التي تحده شمالاً وشرقاً، فإن عام 2014م شهد انتقال النيران الإقليمية إلى الداخل، متمثلة في معارك مع تنظيمي “داعش” و”النصرة” شرقي البلا

إذا كان لبنان نجح منذ بداية الانتفاضات العربية في عام 2011م بالنأي بنفسه عن الحروب والأزمات في المنطقة وأبرزها سورية التي تحده شمالاً وشرقاً، فإن عام 2014م شهد انتقال النيران الإقليمية إلى الداخل، متمثلة في معارك مع تنظيمي “داعش” و”النصرة” شرقي البلاد وخطفهما لعشرات العسكريين.

هذا بالإضافة إلى معارك في طرابلس (شمالي لبنان)، وتفجيرات في معاقل “حزب الله”، اللبناني، في ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع الشمالي.

أما سياسياً، فقد عكست الأزمات فراغاً وتمديداً في مؤسسات الدولة التي تبقى بلا رئيس منذ 25 مايو 2014م بعد فشل البرلمان طوال 16 جلسة في انتخاب خلف للرئيس “ميشال سليمان”، وهو البرلمان الذي مدد لنفسه للمرة الثانية لعدم التمكن من إجراء انتخابات برلمانية بسبب الأوضاع الأمنية.

وفي هذا السياق، احتل ملف اللاجئين السوريين الذين بلغ عددهم نحو 1.2 مليون مسجلين رسمياً لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بينما فاق عددهم الفعلي 1.5 مليون بحسب مسؤولين رسميين لبنانيين، احتل هذا الملف حيزاً كبيراً من النقاش السياسي ومحور زيارات لعدد من المسؤولين الدوليين الذين حذروا من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية على البلاد.

في حين بقيت عملية التفاوض لتبادل العسكريين اللبنانيين الأسرى من أبرز الملفات التي تشغل اللبنانيين.

بداية العام كانت مريحة مع تحقيق الأجهزة الأمنية اللبنانية نجاحاً بارزاً في أول يوم من عام 2014م بإلقاء القبض على زعيم “كتائب عبدالله عزام” في لبنان، السعودي ماجد الماجد، وهي المجموعة التي تبنت الهجوم الانتحاري المزدوج ضد السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر 2013م، وكذلك انطلاق أول جلسة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد 9 سنوات من الانتظار، وذلك للنظر في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في انفجار هز بيروت في 14 فبراير 2005م.

لكن التفجيرات الانتحارية التي استهدفت حواجز الجيش وقوى الأمن والضاحية الجنوبية لبيروت كما المستشارية الإيرانية في ضاحية بيروت الجنوبية استمرت وراحت تتبناها مجموعات سلفية أعلنت مبايعتها لـ”النصرة” و”داعش”، وذلك على الرغم من بدء الجيش والقوى الأمنية تطبيق خطط أمنية شاملة في أبريل في كل من مدينة طرابلس والبقاع التي أتاحها نجاح القوى السياسية في تشكيل حكومة “مصلحة وطنية” جديدة ضمت جميع الفرقاء برئاسة تمام سلام، بعد 11 شهراً على استقالة حكومة نجيب ميقاتي.

لكن اندلاع المعارك بين الجيش اللبناني و”النصرة” و”داعش” في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية ومحيطها الجبلي المتصل بمنطقة القلمون السورية الحدودية في 2 أغسطس الماضي، كان علامة خطرة على انتقال المجموعات الإرهابية إلى الداخل اللبناني كمجموعات مقاتلة لها امتداد جغرافي في القلمون وليس مجرد خلايا نائمة أو سرية منعزلة يجري القضاء عليها باعتقال أفرادها.

انتهت المعارك بعد 5 أيام بدخول الجيش اللبناني إلى قلب عرسال مع قوافل من الصليب الأحمر، بعد مقتل نحو 20 جندياً، وجرح أكثر من 80 بالإضافة إلى مقتل وجرح أكثر من 100 مدني لبناني وسوري من لاجئي عرسال الذين فاقوا الـ100 ألف لاجئ، لكن ما زالت النصرة تحتجز 16 عسكرياً و”داعش” 7 عسكريين، بعد أن قام كل من التنظيمين بإعدام أسيرين من الأسرى.

وانتهت معركة عرسال بحدثين أعادا الأمل إلى اللبنانيين تمثلا بانتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، هو الشيخ عبداللطيف دريان؛ ما طوى صفحة من الخلافات داخل دار الفتوى، بالإضافة إلى وصول رئيس الوزراء السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري بشكل مفاجئ بعد نحو 3 سنوات على غيابه عن البلاد لدواع أمنية، حيث أعلن عن هبة سعودية بقيمة مليار دولار أمريكي للأجهزة الأمنية اللبنانية، قبل أن يغادر بعد بضعة أيام، وذلك بالإضافة إلى هبة سعودية بقيمة 3 مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني من قبل فرنسا.

لكن النار الإقليمية وتحديداً الخلاف السعودي – الإيراني انعكس بقوة في لبنان لينتقل من مرحلة شل المؤسسات وتعطيلها إلى الفراغ المؤسساتي وتحديداً في رأس الدولة، حيث بقي الشغور الرئاسي سيد الموقف مع عجز مجلس النواب طوال 16 جلسة عقدت ابتداء من مايو الماضي، والـ17 ستعقد في 7 يناير المقبل، في انتخاب رئيس وسط انقسام سياسي حاد بين التيار الأكثر تمثيلاً لدى سُنة لبنان والذي يقود حلف “14 آذار” المؤيد للثورة السورية، و”حزب الله” الأكثر تمثيلاً لشيعة لبنان، وحلف “8 آذار” الداعم لنظام “بشار الأسد” في دمشق.

ويذهب هذا الخلاف عميقاً إلى اسم الرئيس الجديد، وكذلك قانون انتخابات جديد يجري على أساسه انتخاب برلمان جديد، بدلاً من الحالي الذي انتخب عام 2009م لمدة 4 سنوات، وجرى التمديد له نحو أربع سنوات أخرى على مرحلتين حتى منتصف عام 2017م، ليصل إلى ملفات إقليمية أهمها مطالبة “14 آذار” سحب الحزب لمقاتليه من سورية بعدما أعلن في عام 2013م قتاله إلى جانب قوات النظام السوري.

أضف إلى ذلك، ملف اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون نحو ثلث عدد سكان لبنان ما عنى ضغطاً هائلاً على الاقتصاد الوطني، وكذلك زاد الوضع الأمني تعقيداً، حيث أظهرت معارك طرابلس في أواخر أكتوبر الماضي، بين الجيش اللبناني ومجموعات سلفية أعلنت ارتباطها بتنظيم “النصرة”.

وفي حين تحولت بيروت إلى محطة لزيارة المسؤولين الدوليين وأبرزهم رئيس البنك الدولي “جيم يونج كيم”، إلى وزيري الخارجية الأمريكي “جون كيري”، والإيراني “محمد جواد ظريف”، وآخرهم نائب الأمين العام للأمم المتحدة “يان إلياسون”، ونائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الخاص “سيرغي بوغدانوف”، ورئيس مجلس الشورى الإيراني “علي لاريجاني”، حيث تم التركيز على ضرورة دعم لبنان.

ينتهي العام 2014م ولا تنتهي مشكلات لبنان على كل الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية، لكن تبقى هناك توقعات أن يتحول الحوار الذي انطلق في البلاد بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” إلى بداية نهاية الأزمات الداخلية على الأقل.

حتى الآن يبدو أن القوى الإقليمية المتصارعة على كل شيء في المنطقة، تتفق حتى إشعار آخر على تحييد لبنان قدر الإمكان عن الانفجار الذي يحوله إلى ساحة للحرب الأهلية، وهذا ما يجعل اللبنانيين ينتظرون تغييرات دراماتيكية تنتج رئيساً جديداً وحكومة، بالإضافة إلى الإفراج عن حقهم بممارسة انتخاب برلمان جديد.

 

 

Exit mobile version