نحتاج مبادرة قطرية خليجية

محمد سالم الراشد

يوم 18/12/2014م أطلق على أحد الشوارع الرئيسة في أنقرة اسم «قطر»؛ تكريماً للعلاقة الإستراتيجية المتطورة بين تركيا وقطر إثر زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى تركيا، ولكن ليس «اسم الشارع» هو نتاج الزيارة، ولكن توقيع اتفاقية المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي بين البلدين برئاسة زعيمي البلدين كانت الثمرة منذ تطور العلاقة بين البلدين؛ ومن المتوقع أن تؤدي إلى تميز ودفعة جديدة لنوعية العلاقات والتعاون لأعلى المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والاستثمارية.. 

ذلك التعاون أرفق بالتوقيع على اتفاقية للتعاون في المجالات الدفاعية فيما بين البلدين، وهذا يعد تقدماً في المعادلة الأمنية في المنطقة التي تمر بحالات توتر عسكرية وأمنية نتيجة التدافع الإيراني الأمريكي الخليجي في المنطقة، وتعتبر السياسة القطرية من أشجع السياسات المبادرة لتطوير علاقات إستراتيجية حيوية مع قوى إقليمية في المنطقة، وكانت الزيارة بمثابة فتح مسارات لأزمة الطاقة لتصب في مصالح البلدين، في حين أن تركيا كانت تحتاج إلى حليف خليجي لمساندتها في مواقفها الخاصة بسورية والعراق ومصر.

ومما لا شك فيه أن هذه العلاقة الإستراتيجية الجديدة بين البلدين وخصوصاً في ظل تولي قطر لرئاسة الدورة الجديدة لمجلس التعاون الخليجي يوم 9/12/2014م لتضيف محوراً جديداً يضاف لمصلحة السياسة الإقليمية الخليجية، إذ إن دخول تركيا لاتفاقية دفاع سيضعها في الدول التي سيكون لها أثر في المعادلة الأمنية لأي ترتيبات محتملة بين إيران والولايات المتحدة أمنياً.

إن دول مجلس التعاون الخليجي مضطرة لمراجعة سياساتها الإستراتيجية تجاه الدول الإقليمية الرئيسة (تركيا، إيران، مصر، «إسرائيل») بما يساعدها على الاستقرار الداخلي والتوازن الإستراتيجي الخارجي، فهذه الدول الأربع كانت منذ نشوء القطبين الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م، وتمدد الولايات المتحدة كقطب أوحد، ثم دخول روسيا والصين والهند كدول في كتلة واحدة، هذه الدول الأربع أصبحت محل التدافع لتصبح بما يسمى دول المركز في الإقليم، وتشهد هذه المنطقة من الشرق الأوسط اليوم صراعاً بين هذه الكتل الإقليمية؛ وذلك لاحتلال النصيب الأكبر من الثقل الإقليمي في ضوء التطورات الجديدة والمتغيرات، خصوصاً بعد امتداد إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن، وتراجع الثورات العربية عن بناء نظام سياسي عربي يواجه ثورات مضادة مدعومة من بعض دول الإقليم بما زاد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وتوجه الصراع بشكل مركز بين الأقطاب الثلاثة في الإقليم (تركيا، إيران ، «إسرائيل») وذلك في ضوء تراجع الدور المصري، ونظراً لأن دول الخليج العربي في بؤرة الصراع والتدافع بين مصالح الأقطاب الكبرى والأقطاب الإقليمية، فقد باتت بيئتها الإقليمية معرضة للخطر الأمني الإستراتيجي حول (خطوط الطاقة والمياه والصناعة والنقل البري والبحري والجوي)؛ مما يهدد استقرارها الداخلي، لذا فإنه من الضروري على الدول الخليجية أن تقوم بترتيب جديد لعلاقة إستراتيجية مع تركيا؛ وذلك بسبب عدم الانسجام مع المشروع الإيراني أو «الإسرائيلي» في المنطقة؛ لأنهما مشروعان ذوا أبعاد عقائدية وسياسية واقتصادية، ويشكلان تهديداً جسيماً للدول الخليجية، ولكن كيف تشكل تركيا فرصة للدول الخليجية؟ ووفق دراسة د. وليد عبدالحي 16/12/2013م.

فقد افترضت دراسة كليفورد جيرمان (Clifford German) عام 1960م مقياساً لقوة الدولة من خلال المعادلة التالية:

قوة الدولة = القدرات الدولية (المساحة + السكان + حجم القاعدة الصناعية + حجم القوة العسكرية). 

في حين أن بول كيندي (Paul Kenedy) ربط بين صعود وهبوط القوى العظمى من خلال متغيرين؛ هما: النمو الاقتصادي ، والقوة العسكرية.

ومن خلال مجموعة من المؤشرات الكمية لقوة الدولة، فمن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تضم خمسة أطراف مؤهلة للتنافس على مكانة الدولة المركز أو القطب الإقليمي، وهي: (إيران، مصر، تركيا، «إسرائيل» ثم السعودية)، واستناداً لمؤشرات القوى المختلفة (عدد السكان ، الإنتاج الزراعي، التنمية البشرية، المساحة، الناتج المحلي، معدل النمو الاقتصادي، الإنفاق العسكري، القوة العسكرية، بحوث العلوم التطبيقية)، فإن نتائج القياس تشير إلى أن ترتيب القوى في الشرق الأوسط هو على النحو التالي (وفق دراسة د. وليد عبدالحي):

القوة الأولى: تركيا بمعدل رتبة إقليمية هو 2٫33.

القوة الثانية: إيران بمعدل رتبة إقليمية هو 2٫88.

القوة الثالثة: كل من «إسرائيل» والسعودية بمعدل رتبة إقليمية متساوية هو 3٫11.

القوة الرابعة: مصر بمعدل رتبة إقليمية هو 3٫55.

وإن كانت هذه الدول تقع ضمن دائرة الدول الأميل لعدم الاستقرار.

والآن لنعود للخطر الإستراتيجي الناشئ بعد الاحتراب والتدافع في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت إيران مهدداً رئيساً لدول الخليج، وهي تمثل وفق مقاييس القوة الدولة الثانية بعد تركيا، لكنها الأقرب تلامساً من حيث الحدود الجغرافية أو الاحتواء الإستراتيجي لدول الخليج في العراق وسورية واليمن، أضف إلى ذلك أن إيران تسعى لمشروع استقطابي وهو ما ورد في مشروع «رؤية 2025» لإيران، وهدفه الحصول على مكانة القوة المركزية في منطقة الشر ق الأوسط، وهذا المشروع الذي أعده مجلس وتشخيص مصلحة النظام، ويستهدف المشروع أيضاً تحويل إيران إلى قوة إقليمية أساسية في منطقة جنوب غرب آسيا والتي تشمل 25 دولة (آسيا الوسطى، تركيا، باكستان، أفغانستان، وتضم الدول العربية: اليمن والعراق وعُمان وسورية والسعودية والأردن، والإمارات العربية وفلسطين والكويت وقطر ولبنان والبحرين ومصر).

وهذه الرؤية الموثقة تتضمن خططاً بعيدة المدى للقطاعات الكبرى في إيران «الاقتصادية – الاجتماعية – العلمية – التكنولوجية)، وتفترض الرؤية أن التوجه الدولي العام يسير نحو تصالح تدريجي بين قوى دولية كبرى وإيران وبناء الثقة مع دول جنوب غرب آسيا.

وقد تقدمت إيران بشكل مذهل في الإنتاج العلمي إلى أن وصلت إلى 11 ضعف المعدل العالمي لتحتل مرتبة متقدمة في الفروع العلمية (الرياضيات: 19 – الحاسوب: 17 – التكنولوجيا النووية: 15 – الفيزياء: 28 – تكنولوجيا الفضاء: 16 – الطب: 17 – الكيمياء: 13 – النانو تكنولوجي: 15)، وتسعى إيران حالياً للانضمام إلى منظمة شنغهاي بسبب الدور الإيجابي الروسي والصيني تجاه إيران، كما تتوجه لإيجاد علاقة حذرة وذات مصالح محددة مع الولايات المتحدة وأوروبا بما يساعدها في الانتهاء من برنامجها النووي للوصول للعتبة النووية، ولن تتوانى عن جهودها في إقناع دول الخليج بأي ترتيبات إقليمية ضاغطة لمصلحة مشروعها.

وقد نزعت إيران تاريخياً لتقسيم الأقاليم السياسية المحيطة بها والتي تحدد نزوعها الإستراتيجي إلى أربعة أقاليم، هي: 

إقليم الهلال الخصيب (العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين، والأردن).

إقليم القوقاز (أذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا).

إقليم آسيا الوسطى (من شرق بحر قزوين وحتى الحدود الصينية الشمالية وأفغانستان).

إقليم الجنوب (جنوب باكستان، وجنوب شرق الجزيرة العربية).

وتعتبر المناطق الرخوة هي إقليم الهلال الخصيب والجنوب، وهو ما يفسر ظاهرة التمدد الإيراني في العراق وسورية ولبنان وفي اليمن ودول الخليج، في حين أن الامتداد في الإقليمين الآخرين ينزع للاتجاه الاقتصادي والاستثماري، وهذا ما يشكل مهدداً حقيقياً لدول الخليج، ومما يدعو إلى إعادة النظر الإستراتيجي بتمكين علاقة إستراتيجية لملء فراغ القوة الذي تعاني منه دول الخليج فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وفيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي والقاعدة الاقتصادية الصناعية، وهذا ما توفره تركيا اليوم باعتبارها – وفق جدول القوة الإقليمية – القوة الأولى في المنطقة. 

إن استثمار تطور العلاقة الإستراتيجية بين قطر وتركيا مؤشر إيجابي لإيجاد حالة توازن استقطاب إقليمي في المنطقة.

فهل ستستطيع قطر رعاية مبادرة خليجية وتركية تقوم على:

– تدعيم اتفاقيات أمنية مشتركة بين دول الخليج وتركيا.

– فتح مجالات تعاون تجاري واقتصادي.

– رسم برنامج قاعدة صناعية تكنولوجية مشتركة.

– تصريف خطوط الطاقة النفط والغاز بما يجعل دول الخليج المصدر الأول لتركيا.

– تزويد دول الخليج بالطاقة المائية التي تحتاجها من تركيا.

وفي سبيل ذلك يتم التفاهم على ملفات حساسة لرؤية مشتركة في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن، وتخفيف حدة الملف المصري في منطقة اختلاف بين الطرفين، وألا يكون هذا الملف مضيعاً لفرص التعاون الإستراتيجي.

إن أمل شعوب دول الخليج اليوم كبير في قطر باعتبارها رئيسة الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي للسير في مبادرة آمنة ومشتركة ومتفاهم عليها بين دول الخليج وتركيا، بما يحقق لمنطقة الخليج الاستقرار ويخفف الضغط الإستراتيجي لإيران و«إسرائيل» في المنطقة.

Exit mobile version