جغرافيا الجيوش في الشرق الأوسط

تقلصت الحروب القائمة بين دول منطقة الشرق الأوسط، في حين ازداد نسق ارتفاع الصراعات؛ مما يجعل دول المنطقة التي تشعر بالتهديد تسعى بالضرورة إلى زيادة ميزانياتها العسكرية؛ الأمر الذي يجعل الترسانة الدفاعية تحظى بنصيب الأسد من موارد تلك الدولة.

ترجمة: “المجتمع”

تقلصت الحروب القائمة بين دول منطقة الشرق الأوسط، في حين ازداد نسق ارتفاع الصراعات؛ مما يجعل دول المنطقة التي تشعر بالتهديد تسعى بالضرورة إلى زيادة ميزانياتها العسكرية؛ الأمر الذي يجعل الترسانة الدفاعية تحظى بنصيب الأسد من موارد تلك الدولة.

ومع اختلاف الديناميكية من دولة إلى أخرى، شهد التوازن الجيوستراتيجي في المنطقة تطورات حديثة، حيث تراجعت قوة الجيش العراقي، واشتدت قوة الجيش الإيراني، في حين تواصل المملكة العربية السعودية تأكيد ريادتها لدول الخليج في هذا المجال.

ورغم أن ترابط موازين القوى هو مسألة عالمية، فإننا سنختص بهذه الدراسة دول منطقة ما بين مصر وإيران، حيث إن القاسم المشترك بينها يتجسد في شدة التوترات والتفاعلات التي تشهدها تلك المنطقة.

ومن المعلوم أن قدرات الكيان الصهيوني العسكرية تفوق إمكانيات باقي الجيوش الأخرى في المنطقة، حيث أثبت جيش الاحتلال “الإسرائيلي” منذ منتصف القرن الماضي نجاعته في عديد المواجهات التقليدية، ولا يزال تأمين الحدود أبرز الأولويات: فقد تمكنت “إسرائيل” من الرد سريعاً على محاولات التوغل في الجولان السوري، بفضل تجهيز سلاح الجو “الإسرائيلي” بالطائرات بدون طيار الأمريكية، بالإضافة إلى قدرتها على الاعتماد على طياريها ذوي الكفاءة العالية إذا ما احتاجت ذلك.

أما بالنسبة لتركيا، فقد خفضت الزاد البشري لديها منذ نهاية الحرب الباردة، ولكنها مازالت تستثمر في تسليح جيشها وتطوير تكنولوجياتها العسكرية، فالجيش التركي مجبر على أن يكون في مستوى التزاماته المتعلقة بعضويته في منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وبالتزامات تركيا الإقليمية.

وتكثف تركيا من جهودها في سبيل تحقيق ذلك، ويعتبر جيش البر التركي الأفضل تجهيزاً والأنجع لإنجاح العمليات داخل الأراضي التركية خصوصاً فيما بتعلق بمواجهة الانفصاليين الأكراد.

وقد مارست تركيا في الآونة الأخيرة دور الوسيط في الشرق الأوسط، وكانت عنصراً مكرساً للاستقرار بالمنطقة، مستفيدة من موقعها الذي يجعلها في مقدمة حلف شمال الأطلسي في ظل التوترات الحاصل في المنطقة.

أما فيما يخص دول الخليج، فقد عزموا على تحديث ترساناتهم وكرسوا لها مبالغ ضخمة، حيث تعتبر الميزانية العسكرية للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص الرابعة عالمياً، مما جعل أسطول طائراتها المقاتلة وناقلاتها الأكثر قدرة على الانتشار السريع داخل أراضيها، كما يمكنها من تنفيذ تدخلات خارجية بسرعة.

وأما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فعلى الرغم من ضعف زادها البشري فإن جيشها يمثل القوة الصاعدة في المنطقة.

وتخضع إيران لحظر الأسلحة من قبل الأمم المتحدة، مما دفعها لتطوير إمكانياتها في مجال الصناعات الدفاعية خاصة الدبابات والصواريخ بعيدة المدى، ويعتبر هذا البلد في طليعة الدول المختصة في مجال الحروب المعلوماتية؛ الأمر الذي بان من خلال تكفل مجموعات من القراصنة الإيرانيين بمهاجمة مواقع مثل “تويتر” وعديد المنظمات الدولية، كما يحظى الجيش الإيراني أيضاً بنفوذ إقليمي ويمكنه من التحرك ومن إرسال جنود من الحرس الثوري إلى خارج إيران كما فعل في سورية في عام 2012م.

نقاط ضعف:

 وبشكل عام وباستثناء “إسرائيل” وإيران، لا تمتلك دول الشرق الأوسط ترسانة معلوماتية ووسائل اتصال كافية لضمان حمايتهم بشكل مستقل.

ونقطة الضعف المشتركة الثانية بين بلدان المنطقة هو عدم القدرة على توقع ما وراء حدودها بشكل مستقل، حيث تستخدم القوات البحرية لحراسة المجال الساحلي فقط دون أن ننكر ضعف إمكاناتها البحرية، كذلك هي الحال بالنسبة للقدرات الإستراتيجية الجوية.

وتعرف المنطقة بانتشار بما يسمى بــ”أسلحة الدمار الشامل” وهو تعبير أمريكي شاع أثناء حرب العراق في عام 2003م، ومن أخطرها الأسلحة الكيميائية التي يعرفها الموقع الإلكتروني لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح على أنها “الأسلحة التي تستخدم كمواد سامة للقتل أو الجرح”.

وبإمكان هذه الأسلحة أن تبطئ تقدم قوات العدو في حالة مواجهة بين جيشين، وإلحاق خسائر فادحة به؛ مما يجعله خياراً مثالياً للجيش الأقل عتاداً.

ولكن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن بعض الأنظمة قادرة على استخدام تلك الأسلحة في أزماتها الداخلية، ففي 21 أغسطس 2013م، قتل مئات المدنيين وجرح الآلاف بسبب قذائف تحتوي على كميات من “غاز السارين” وغازات أخرى في إحدى ضواحي دمشق التي تسيطر عليها القوات المعارضة لـ”بشار”، وفي العراق أيضاً استخدمت حكومة “صدام حسين” الغازات السامة خلال هجمات ضد الأقلية الكردية في عام 1980م، الأمر الذي وصف من قبل منظمات دولية بالإبادة الجماعية.

ومن بين أخطر أسلحة الدمار الشامل نجد الأسلحة النووية التي كانت “إسرائيل” أول من امتلكها في عام 1967م بالتعاون مع فرنسا، ومع ادعاء “إسرائيل” رسمياً عدم امتلاكها للسلاح النووي فإنها ترفض رفع الالتباس عن الموضع.

ومن جهتها، لا تمتلك إيران السلاح النووي، لكن أنشطتها النووية التي اكتشفت في مطلع الألفية الثانية أثارت عديداً من المخاوف.

وتدافع إيران عن حقها في تخصيب اليورانيوم بعلة أن المراد من ذلك هو إنتاج الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد، علما بأن تخصيب اليورانيوم هو أساس إنتاج الأسلحة النووية خصوصاً إذا تجاوزت نسبة التخصيب الــ20٪.

وكانت إستراتيجية الرئيس السابق “أحمدي نجاد” ترتكز على المحافظة على غموض ملف البرنامج النووي الإيراني في حين التزم الرئيس “روحاني” بتخفيض نسبة اليورانيوم المخصب إلى 20٪ في مقابل رفع العقوبات عن بلاده بموجب اتفاق نوفمبر من العام الماضي.

وبالإضافة إلى قدراتها الخاصة، تعتمد قوة أي دولة على مدى قدرتها على تشريك حلفائها في حالة العدوان عليها أو لتنفيذ هجومات مشتركة، ويقسم الشرق الأوسط إلى مجموعات جيوإستراتيجية حسب مدى تعاونها، وحسب دعم القوى الأجنبية لحلفائها في المنطقة الذي من شأنه أن يعدل موازين القوى.

تحالفات:

وتعتبر كل الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجيبوتي والصومال وجزر القمر أعضاء في جامعة الدول العربية، باستثناء سورية التي علقت عضويتها في عام 2011م، والغرض الأساسي من هذه الجامعة، التي أنشئت في عام 1945م، يتمثل في الدفاع عن استقلال وسيادة الدول العربية وتعزيز التعاون فيما بينها بشأن المسائل التي تؤثر على مصالحها الخاصة، وتبقى الوحدة السياسية التي تروج لها الجامعة مجرد كلام نظري، فهي لم تمنع غزو العراق لدولة الكويت في عام 1990م، كما أنها لا تمتلك القوة العسكرية لتحقيق الاستقرار لاسيما في جنوب لبنان ودارفور والعراق والصومال.

ويقتصر مجلس التعاون الخليجي على الدول السُّنية المالكة للنفط: المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر، وتنظم الدول الأعضاء منذ عام 1980م، مناورات عسكرية مشتركة تقوم بها قوات “درع الجزيرة”، الجناح العسكري للمجلس الذي يعد حوالي 40 ألف جندي.

وأما “المحور الشيعي” والذي يعني التحالف بين سورية وإيران لمواجهة منظومة الدول السُّنية، فيعاني من عزلة متزايدة على الساحة الدولية، في حين حافظت كل من تركيا والكيان الصهيوني على علاقاتهما طويلة الأمد، تحت رعاية الولايات المتحدة، إلى أن توترت هذه العلاقات في السنوات الأخيرة وتدهورت بعد وصول حكومة حزب العدالة والتنمية المحافظ في تركيا وصعود اليمين “الإسرائيلي”.

(*) المصدر:

http://www.lesclesdumoyenorient.com/Geographie-des-forces-militaires.html

Exit mobile version