تحليل: زيارة هيجل للعراق تكشف انعدام ثقة أمريكا في حلفائها

لم تكن زيارة وزير الدفاع الأمريكي المستقيل تشاك هيجل إلى بغداد أمس مفاجئة كما صورها بعض أعضاء مجلس النواب العراقي ! … أبدا … فكل ذي لب ودراية بالمشهد العراقي كان يتوقع بل وينتظر تلك الزيارة وفي هذه الأيام على وجه التحديد

لم تكن زيارة وزير الدفاع الأمريكي المستقيل تشاك هيجل إلى بغداد أمس مفاجئة كما صورها بعض أعضاء  مجلس النواب العراقي ! … أبدا … فكل ذي لب ودراية بالمشهد العراقي كان يتوقع بل وينتظر تلك الزيارة وفي هذه الأيام على وجه التحديد … خاصة مع احتدام الجدل والخلاف داخل أروقة مؤسسات القرار الأمريكي حول استراتيجية التعامل مع  تنظيم الدولة “داعش” في المنطقة وأثرها على المصالح الأمريكية.

وتزامن ذلك مع تكثيف اللقاءات المعلنة (وغير المعلنة) بين أمراء الميليشيات في الحشد الشعبي وقيادات فيلق القدس وعلى رأسها قاسم سليماني (والمقيمة أصلا في المنطقة الخضراء المُحصنة في بغداد منذ احتلال الموصل قبل أربعة أشهر) مما أثمر عن التوصل إلى اتفاق سري جرى على أثره تحديد مواعيد دقيقة للتحرك العسكري تجاه الموصل بل وتعيين ساعة الصفر لذلك الهجوم بما يخدم مشروعا آخر غير المشروع الأمريكي بالتأكيد !

ولعل هذا هو السبب الحقيقي في زيارة هيجل إلى بغداد وهو لم يجمع بعد أغراضه من مكتبه كوزير دفاع مستقيل ! .

ومثلما لم يحشد الأمريكيون تحالفا دوليا ليحتلوا به العراق عام 2003 لسواد عيون أهله (من أجل العراقيين فحسب)… أو لتخليصهم من مجرد طاغية… كذلك هو الحال اليوم عندما حشدوا التحالف الدولي للقضاء على “داعش” ( بعد صناعتها ! ) … فمع تقلب الموازين ووجود اللاعب الإيراني صاحب الحنكة والنفوذ … من هنا نقول إن الساذج وحده من يفاجأ بهذه الزيارات! .

لكن الأهم من هذا … هو ما كشفته تلك الزيارة (غير المرحب بها) من حقيقة التباكي الذي تبديه الجهات السياسية الحاكمة في العراق هي الأخرى على محافظة نينوى (الموصل) المحتلة من قبل عصابات “داعش” الإرهابية … حيث تبين أن آخر ما تفكر به تلك القيادات السياسية هو مصير تلك المدينة الأسيرة وسبيل خلاصها، متناسين مرارة كل يوم يمر عليها وهي تحت وطأة هذا الاحتلال البغيض وما يعانيه أبناؤها من إعدامات وتهجير وتدميرٍ للبنى التحتية وقطع للأرزاق ورعب تعيشه البقية الباقية في المحافظة من المجهول القادم .

لقد أظهرت زيارة هيجل إلى العراق حجم الخلافات وانعدام الثقة بين الجانبين الأمريكي من جهة والائتلاف الوطني الشيعي والتحالف الكردستاني من جهة أخرى (مع بقاء قيادات الكتل السياسية السنيّة في واد آخر سواء كان بسبب ضعف أدائهم وتضييع أمانتهم أو بقرار داخلي وخارجي بإبقائهم خارج معادلة القرار العراقي !) … فبينما يستعد الائتلاف الشيعي ورئيس وزراءه العبادي وقادة الميليشيات في الحشد الشعبي (وبتوجيه إيراني) للهجوم على الموصل… بشرط عدم إشراك العرب السنة سواء كان من خلال عدم إقرار قانون الحرس الوطني لتلك المحافظات … أو من خلال منع تسليح العشائر السنية في هذه المنازلة… والحرص على أن يكون دور الغطاء الجوي الأمريكي والدولي كإسناد لهذه الصفحة القتالية ليس إلا… فإنه ومن جانب آخر يسعى التحالف الكردستاني لاغتنام الفرصة ( التي قد لا تتكرر) للحصول على أكبر قدر من التسليح الدولي والانتقال بنوعية التسليح من الخفيف والمتوسط إلى الثقيل… ومن أسلحة المشاغلة والدفاع إلى تسليح هجومي بري وجوي … ليضمن بذلك قوة حقيقية لكردستان تجعله يتحدث بصوت عال ولهجة واثقة كلما أثير موضوع المناطق المتنازع عليها (والتي سيطر عليها الأكراد في محافظات نينوى وديالى وكركوك وصىلاح الدين… بعد الهروب المريع لوحدات الجيش العراقي في تلك المحافظات… أو عندما يتحدث قادة الإقليم عن الانفصال وإعلان الدولة الكردية.

ومن هنا تظهر معالم تلك الزيارة المهمة… فلمن لم يدرك سرقة تلك الجهات الداخلية والخارجية لأمن وسلامة تلكم المحافظات السنيّة المظلومة … أراه اليوم وقد أدرك تلك الحقيقة وهو يرى لصوص الأمن والأمان وهم يتخاصمون على تقسيم ما سرقوه! … من هنا نخشى أن تكون الخطط التي تُرسم في دهاليز القريب والبعيد لطرد “داعش” من الموصل هي وسيلة فقط من أجل مصالح خبيثة… وليس هدفا من أجل حياة كريمة لأبناء تلك المحافظات المظلومة.

Exit mobile version