تحليل: استمرار “الأسد” الاحتمال الأقوى.. لكن انهيار نظامه مازال قائماً

قال محللون سياسيون إنّ مبادرة الولايات المتحدة حيال “تنظيم الدولة” ستقوّى من موقف نظام الأسد، وتجعل انتصاره على ما يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً في المديين القريب والمتوسّط لاسيما وأن برنامج تدريب ومساعدة الثوار السوريّين موجّه في حال حدوثه ضدّ “تنظ

قال محللون سياسيون إنّ مبادرة الولايات المتحدة حيال “تنظيم الدولة” ستقوّى من موقف نظام الأسد، وتجعل انتصاره على ما يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً في المديين القريب والمتوسّط لاسيما وأن برنامج تدريب ومساعدة الثوار السوريّين موجّه في حال حدوثه ضدّ “تنظيم الدولة الإسلاميّة”.

لكن أندرو م. ليبمان وبرايان نيتشيبوروك وجيسون كيلميار المحللون بمعهد راند للابحاث وكتاب هذا التحليل، أشاروا إلى أن انهيار النظام يظل قائما إلا أنه سيحتاج إلى حدوث تطوّرين لم يظهرا حتّى الآن وهما: حدوث تعاون كافٍ بين مختلف فئات المعارضة يؤدّي إلى حدوث انفجار داخلي في قوّات الأمن الحكوميّة، وانشقاق أعداد كبيرة في صفوف ائتلاف الحكومة الحاليّ (انشقاق في صفوف المسيحيّين والدروز والأكراد والمدنيّين السنّة من الطبقة الوسطى)، أو أن يصبحوا على الأقلّ في أعداد المتفرّجين الذين لا يؤيّدون أيّاً من الطرفين في الحرب الأهليّة.

تسارع الأحداث

وبنى الباحثون تحليلهم لانتصار نظام الأسد على أن المكاسب المتتالية التي حقّقها نظام الأسد، وحالة الاحتكاك بين فصائل المقاومة وضعف أدائها، وكذلك تحوّل اهتمام تنظيم الدولة الإسلاميّة من سورية إلى العراق (والذي يراه بعضهم نتيجة لتآمر بين تنظيم الدولة وسوريّة)، كلّ ذلك أتاح لنظام الأسد أن يحقّق التقدّم ضدّ المعارضة (وذلك في المناطق الاستراتيجيّة في وسط وغرب البلاد) أسرع ممّا تنبّأ به أكثر المشاركين في ورشة عمل نظمها معهد راند وشارك فيها متخصصون من أجهزة استخبارات على مستوى العالم في نهاية عام 2013.

وأشاروا إلى أن النجاح الباهر لتنظيم الدولة الإسلاميّة يضع أمام حكام دمشق خطراً هائلاً. لا يظهر أنّ مكاسب تنظيم الدولة الإسلاميّة حتى اليوم ترجمت على الأرض بمكاسب ضدّ نظام الأسد في كل من غرب العراق وفي سوريّة، لكن تنظيم الدولة الإسلاميّة يبقى عاملاً غير قابل للتنبّؤ فيما يخصّ قدرة النظام على الحفاظ على تقدّمه إلى الحدّ الذي يقول إنّه امتلك زمام الأمور في أكثر البلاد.

انتصار الأسد الاحتمال الأقوى

ورغم ذلك، يرى الباحثون أن انتصار النظام هو الاحتمال الذي يبدو أقوى احتمالاً من غيره في المستقبل القريب والمتوسّط. وإنّ الإجماع الدولي الحالي الذي يقضي بضرورة فعل شيء لإيقاف تنظيم الدولة الإسلاميّة، بما في ذلك القيام بضربات جوّيّة ضدّه في العراق وسوريّة، يصب في مصلحة نظام الأسد. ومعنى أن النظام قد رحّب بإمكانيّة التعاون ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة مع خصوم سابقين، ومنهم أوروبّا والولايات المتحدة، يكشف عن إدراك النظام للخطر الذي تمثّله تلك المجموعة على حكومة دمشق إذا تابعت تقدّمها العسكريّ دون رادع.

وقد يبدو انتصار نظام الأسد مخالفاً لما يتوقّع المرء بالنظر لتقارير وسائل الإعلام التي ظهرت مؤخرا عن أنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة قد “شطب” الحدود بين سوريّة والعراق، وأنّه شدّد قبضته على دير الزور، المدينة ذات الموقع الحيوي في شرق سوريّة، لكونها تقع في موقع جغرافيّ مميزعلى وادي نهر الفرات. لكنّ هناك في سوريّة حملتان مستمرّتان ومستقلّتان إحداهما عن الأخرى، ففي غرب سوريّة الكثير من المدن المكتظّة بالسكان يستغل النظام فيها تفوّقه في سلاحي المدفعيّة والقوّة الجويّة لينزل ضربات لا هوادة فيها ضدّ المجموعات المعارضة.

ويمثّل الاستيلاء على حمص من يد الثوّار في مايو 2014 وتقدّم النظام المستمرّ في أطراف حلب أحداثاً عسكريّة رئيسيّة. لقد أبعد النظام أكثر قوّات الثوار عن الممرّ الواصل بين دمشق وحمص، وبين حماة وطرطوس. ويمكن اعتبار هذا الممرّ على أنّه مسرح العمليّات الرئيسيّ لنظام الأسد؛ فهو المجال الذي يركّز فيه النظام معدّاته العسكريّة وقوّاته المحاربة. فالنظام يعتقد أنّ المنطقة الغربيّة من سوريّة هي الجزء الذي عليه الاحتفاظ به إذا كان يريد الحفاظ على حياته.

شرق سورية لا يهدد الأسد

أمّا في شرق سوريّة فالقصّة مختلفة، فهي منطقة ريفيّة، غير مكتظّة بالسكّان، وليست شديدة الأهمّيّة لبقاء نظام الأسد. تقتصر ميزتها الجغرافيّة على حقول النفط الرئيسيّة في محافظة دير الزور. فمعركة النظام فيها محسوبة على أساس حصر الجهد العسكري بحسب مردوده لنظام الأسد.

وبحسب تحليل معهد راند، يعتمد النظام في الشرق على قوّته الجويّة، وعلى بضع حاميات عسكريّة قويّة التسليح، وبعض القبائل السنيّة المؤيّدة للنظام، وعلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني من منطقة الحسكة لاحتواء قوّات تنظيم الدولة الإسلاميّة وجبهة النصرة، وهما القوّتان اللتان تسيطران على المنطقة.

وهدف النظام في الشرق هو منع المجموعات السلفيّة الجهاديّة المقاتلة من تطوير قوّتها العسكريّة إلى حدّ يكفي لشنّ هجوم قوي موسع على المدن الرئيسيّة في غرب سوريّة. بينما لا يملك النظام لا القوّات الكافية ولا القدرة اللوجستيّة ليفرض سيطرته الكاملة على الأجزاء الشرقيّة من البلاد البعيدة عنه.

قوات الدفاع الوطني تحد من خسائر النظام

لقد ساهم نجاح النظام وفعّاليته في إيجاد “قوّات الدفاع الوطنيّ” المساندة للنظام، والتي تمثّل توفير قوّات جديدة مدرّبة لتعوّض عن خسائر المشاة على أرض المعركة في مسرح المعارك الغربيّ، هذا النجاح ساهم في تغيير ثقل الأحداث. لقد تلقّت وحدات قوات الدفاع الوطنيّ تدريباً عسكريّاً جيّداً وهم أكثر التزاماً بالنظام من عصابات الشبّيحة التي كان النظام يعتمد عليها في عامي 2011 و 2012.

وكثير من أفراد قوات الدفاع الوطني من الأقلّيات (المسيحيّون والدروز والأكراد والعلويّين) والذين يخافون من قيام دولة إسلاميّة سنيّة إذا فازت المعارضة، حسب تحليل معهد راند.

ولا شكّ أن وحدات الدفاع الوطني يقاتلون بشراسة حينما يدفع بهم إلى إحدى الجبهات، وهم الآن مصدر رئيسيّ للمشاة بالنسبة لنظام الأسد، وتنشر هذه القوّات في العادة بالتنسيق مع الجيش النظامي المسلح بالمدرّعات والآليّات في عملّيات مشتركة. والحقيقة أنّ قوات الدفاع الوطنيّ ساهمت في الفترة الأخيرة في تحقيق انتصارات للنظام أكثر من تدخّل حزب الله، مع أنّ حزب الله قام بمساهمات عسكريّة مهمّة.

زيادة تفتت المعارضة

ويرى المحللون أن إلى جانب العوامل العسكريّة فقد حدثت بعض التطوّرات السياسيّة ممّا وفّر مكاسب لحكومة الأسد. منها أنّ حركة المقاومة مستمرّة في كونها تزداد تفتّتا، وتتوجّه إلى فقدان القدرة على تحقيق تشكيلة عسكريّة ذات قيادة متضامنة. كما أنّ المعارضة بعيدة كلّ البعد عن امتلاك أيّ نوع من الرؤية المشتركة حول المستقبل السياسيّ لسوريّة. فتنظيم الدولة الإسلاميّة في نزاع مع كلّ الفصائل المعارضة الأخرى، بما في ذلك “جيش سوريّة الحرّ” ذو التوجّه المؤيّد للغرب، والإخوان المسلمون، الذين يظهرون باسم الجبهة الإسلاميّة، والجيش الإسلاميّ للمجاهدين، وحتّى جبهة النصرة الموالية للقاعدة (وهذه أكثر صبغة وطنيّة من تنظيم الدولة الإسلاميّة).

وقد قامت المجموعات المعارضة الأخرى في يناير من عام 2014 بالاتحاد لفترة قصيرة للهجوم على تنظيم الدولة الإسلاميّة في شمال غرب سوريّة، غير أنّ هذا العمليّة الموحّدة لم تدم إلا فترة قصيرة، وفشلت في تحقيق مكاسب على الأرض، ولكنّها كشفت عن الشقاق الواسع بين أجندات السلفيّين الجهاديّين العاملين عبر الحدود ما بين تنظيم الدولة الإسلاميّة والمجموعات الأخرى.

ويلاحظ التوتّر بين مختلف المجموعات ولو استثنينا تنظيم الدولة الإسلاميّة. فقد حدثت صدامات في عدّة مناسبات بين جيش سوريّة الحرّ وبين الجبهة الإسلاميّة، ومنها حادثة رئيسيّة حدثت في ديسمبر عام 2013، وذلك حيث قام مقاتلو الجبهة الإسلاميّة بنهب عدّة مستودعات تموين تحتوي على معدّات عسكريّة من تقديم الغرب.

وكثيراً ما يحدث الانشقاق والاضطراب في صفوف الجبهة الإسلاميّة والجيش السوريّ الحرّ. فالجبهة الإسلاميّة مثلاً هي تجمّع لسبعة مجموعات ذات أجندات جغرافيّة وعقائديّة مختلفة: لواء التوحيد ومقرّه حلب، ومجموعة أحرار الشام السلفيّة، ولواء الحقّ الذي يوجد في منطقة حمص، وصقور الشام في إدلب، وجيش الإسلام في دمشق، وأنصار الشام، والجبهة الكرديّة الإسلاميّة. ولقد حدثت منذ تأسيس الجيهة الإسلاميّة في نوفمبر 2013 عدد من الجدالات والمنازعات بين المجموعات المذكورة حول السياسة التي يجب تبنّيها تجاه تنظيم الدولة الإسلاميّة والأولويّات العسكريّة العامّة.

غياب تنسيق المعارضة بشأن الدعم الخارجي

وأشار الباحثون إلى أن هناك عاملا سياسيّا آخر ساعد النظام وهو غياب الكثير من التنسيق في حملة الدعم الخارجيّة للمعارضة السوريّة وساهم في حدوثه إلى حدّ ما وجود المجموعات العديدة الثائرة ذات الأجندات المتنافسة.

ولفت الباحثون في هذا الصدد إلى أن أحد أهمّ الأسباب في نجاح المجاهدين الأفغان ضدّ السوفييت في ثمانينات القرن الماضي كان حملة الدعم الخارجيّ الموحّد والفعّال، حيث تدفّقت الأموال والأسلحة إلى المقاتلين. وكان تعاون الولايات المتحدة والباكستان والمملكة العربيّة السعوديّة قويا لا تردّد فيه.

بينما لم يظهر جهد مشابه في سورية، ولا يبدو في الأفق جهد قريب. صحيح أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوربيّين قد قدموا بعض الدعم المحدود للمجموعات المعتدلة، ولكنّ هذا الدعم قد حصر حتى فترة قريبة بالمعدّات “غير القاتلة”، والتي تصل إلى ساحة المعركة بدفعات غير منتظمة أبداً.

وما يشغل بال إدارة الرئيس أوباما احتمال وصول أيّ برنامج تزويد بالسلاح الأمريكي الرئيسيّ في نهاية المطاف إلى يد المجموعات الثائرة المتطرّفة مثل النصرة وتنظيم الدولة الإسلاميّة، والتي يمكن لها فيما بعد أن تستخدمه ضدّ مصالح الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط كلّه. ومن الصعب فرض إجراءات مراقبة صارمة لإيصال الأسلحة في ظلّ حال الهلاميّة الشديدة للحرب الأهليّة السوريّة.

روسيا وإيران

أما العامل السياسيّ الأخير الذي جلب منافع عسكريّة لنظام الأسد هو حقيقة أنّه في الوقت الذي كان الدعم العسكريّ للثوار فاتراً، استمر تدفّق الأسلحة بوفرة من داعميه الرئيسيّين، إيران وروسيا. ولقد أتاح هذا الدعم للنظام أن يواصل تحرّيك طائراته الهيلوكوبتر والطائرات المقاتلة والمدفعيّة بكثافة كافية لتمنح قوّات النظام بقوّة ضاربة لا يملك الثوّار ما يقابلها.

ولقد وقفت إيران (ومن ورائها حزب الله الملتزم بأوامرها) وروسيا وقفة صارمة وراء النظام السوريّ، ولا يزالان يقدّمان الدعم الماليّ والدبلوماسيّ والماديّ. فقد كان تحرّك الديبلوماسيّة الرّوسيّة لتوجيه الغرب إلى الابتعاد عن “الخطوط الحمراء” في أعقاب استخدام النظام السوريّ للأسلحة الكيميائيّة، بحيث ألزمت نظام الأسد في الالتزام بنزع الأسلحة الذي فرضته الأسرة الدوليّة بدلاً من المضي قدماً في الضربات التأديبيّة، وكانت هذه لحظة حاسمة ونقطة تحوّل في حياة النظام.

ويرى الباحثون أن انتصار النظام في سورية لن يكون ضربة بالغة القوّة ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة هذا لأنّ تقدّم تنظيم الدولة في العراق أعطى هذه المجموعة مساحة جغرافيّة تمثّل قاعدة انطلاق تقوم بالعمليات انطلاقاً منها، وقد زاد هذا من تقبّل التنظيم في صفوف الشباب في كلّ أرجاء العالم. وانتصار النظام سيكون نكسة لتنظيم الدولة الإسلاميّة، ولكن حتّى ضمن أشد المتغيّرات تفاؤلاً ضمن سيناريو انتصار النظام، فإنّ تنظيم الدولة سيبقى قابضاً على أجزاء من شرق سورية، والتي يحاول أن يبقيها متّصلة بما كسبه من أراضٍ في شمال وغرب العراق.

هل يمكن أن ينهار النظام؟

ويرى الباحثون أن انهيار النظام يحتاج إلى حدوث تطوّرين لم يظهرا حتّى الآن. الأوّل: حدوث تعاون كافٍ بين مختلف فئات المعارضة يؤدّي إلى حدوث انفجار داخلي في قوّات الأمن الحكوميّة، رغم أن هذا الاحتمال بعيد تماماً حالياً، وذلك نظراً إلى العداوات العميقة بين الفئات المعارضة.فقد قتلت الفئات الثائرة أعداداً غير قليلة من أفراد الفئات الأخرى بحيث لا يحتمل أن تجلس معاً وتتخذ قراراتها ضدّ النظام.

ولو أنّ المجموعات المعارضة كانت قادرة على التعاون المثمر لكان بإمكانها التعاون في الهجوم المشترك بحيث تضطرّ الوحدات المقاتلة للنظام من مدرّعة ومحمولة لتوزيع قوّتها توزيعاً مخلاًّ، وبحيث تخلق نقاطاً من عدم كفاءة العدد في صفوف الجيش النظامي ممّا يمكّن الوحدات المعارضة من تحقيق انتصارات مختلفة وبحيث تخرق خطوط الدفاع في الجيش الحكوميّ. ولكن يبدو أن مثل هذا التعاون يحتاج لنوع من مجلس القيادة العامّ الذي يملك السلطة على كلّ العمليّات العسكريّة للثوّار.

الثاني: انشقاق أعداد كبيرة في صفوف ائتلاف الحكومة الحاليّ (انشقاق في صفوف المسيحيّين والدروز والأكراد والمدنيّين السنّة من الطبقة الوسطى)، أو أن يصبحوا على الأقلّ في أعداد المتفرّجين الذين لا يؤيّدون أيّاً من الطرفين في الحرب الأهليّة. فلا بدّ حتى ينهار النظام أن تذوب القاعدة الداعمة للنظام حتى لا يبقى فيها سوى السكان العلويّين في سوريّة بالإضافة إلى ربّما مجموعات صغيرة من السكان المسيحيّين والأكراد. فمثل هذا الانكماش في الدعم الشعبيّ سيترك الجيش السوريّ وكذلك الميليشات الشعبيّة غير كافية من ناحية توزيع السكان على الصمود في وجه الائتلاف الموحّد للمعارضة، حسب تحليل مؤسسة راند.

سيناريو التسوية

ويرى الباحثون أن سيناريو التسوية عن طريق المفاوضات فيبقى الاحتمال الأضعف من حيث إمكانيّة تحققه وهو غير ممكن إلا في حال توصل الفرقاء الخارجيّين الداعمين لمختلف أطراف النزاع في الحرب السوريّة إلى نتيجة مفادها أنّ العنف الحاليّ بدأ يضرّ مصالحها، وأنّه بدأ يخرج عن السيطرة وأنّه يهدّد بقذف الشرق الأوسط بكامله في سعير العنف الطائفيّ.

وإذا حدث هذا فإنّ كلّ القوى الخارجيّة (إيران وحزب الله وروسيا وقطر والكويت وتركيّا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربيّ والمملكة العربيّة السعوديّة، الخ) ستقرّر جميعاً أن تقطع الإمداد بإرساليّات السلاح والعتاد إلى الفئات التابعة لها في سوريّة، وكذلك تدفّق الأموال والمحاربين الأجانب.

فإغلاق “الصنبور” تماماً، حسب المحللين، سوف يجبر أكثر الفئات المتقاتلة (ربّما باستثناء تنظيم الدولة الإسلاميّة وجبهة النصرة) أن تلاحظ أنّ عمليّة مفاوضات طويلة المدى هي أفضل خيار لتنال مقاصدها ضمن سوريّة.

وقد يكون على القوى الخارجيّة أن تستخدم نفوذها لإجبار حلفائها السوريّين أن يقدّموا تنازلات لإنهاء الحرب والحد من خطر انتشار الحرب الطائفيّة إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط بل في ما وراء الشرق الأوسط إلى العالم الإسلاميّ الواسع. وأشار الباحثون أنه التصوّر بدون هذا الضغط الخارجيّ الممنهج تحوّل المشهد من انتصار النظام إلى تسوية على أساس المفاوضات.

ووفقا لتحليل معهد راند، قد بات جليا الآن أنّ إنهيار نظام الأسد قد يكون أسوأ نتيجة يمكن أن تحصل في سوريّة. والسبب في هذا أنّ انهيار نظام الأسد سيخلق جوّاً لا تواجه فيه المجموعات الجهاديّة المتطرّفة إلا معارضة ضعيفة وممزّقة داخل سوريّة، وسيكون لديها بالتالي فرصة واسعة لكسب أراضي أكثر.

وعلاوة على ذلك فإن هذه العناصر الراديكاليّة يمكن أن تخلق ملاذات أوسع فأوسع يمكن لها أن تجعل منها منطلقات تصل منها حتى إلى أوروبّا والولايات المتّحدة.

وسيمنح انهيار النظام السلفيّين الجهاديّين فرصاً لينتقلوا إلى بلدان مجاورة مثل لبنان والأردنّ، وسيشدّ على أيديهم في المعارك الحاليّة في العراق. وفي هذه الحالة سيعمل “تنظيم الدولة الإسلاميّة” على الضغط على الأنظمة المحلّيّة نحو هدفه النهائي وهو قلب تلك الحكومات.

وكان التغير الأكثر مدعاة للدهشة حول الأحداث في سوريّة هو السرعة المدهشة التي تحوّلت فيها الأمور، والسرعة التي يمكن أن تتحوّل بها أيضاً. فبعد ما لا يزيد عن ستّة أشهر من ظهور النظام على طريق التفتت والنزاع طويل الأمد، نرى الآن نفس النظام في وضع مسيطر، ويتقدّم بسرعة أكبر وهو يقاتل مجموعات من قوّات المعارضة المشتّتة والأكثر ضعفاً.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التحليل مستمدّ من ورشة عمل لمعهد “راند” عقدت في ديسمبر من عام 2013 لتقويم السيناريوهات المستقبليّة الممكنة للنزاع في سوريّة وهي: نزاع طويل الأمد، انتصار النظام، انهيار النظام، التسوية عن طريق التفاوض. وجرى تحديث وتقويم هذه السيناريوهات بناء على التطوّرات التي حدثت في سوريّة والعراق في عام 2014.

 

Exit mobile version