الفنان التشكيلي محمد رجب في حوار حصري

تعاني الأمة الإسلامية والعربية من حالة تغييب لتراثها وحضارتها منذ مدة ليست بالقليلة، والتي ربما سبقت سقوط دولة الخلافة وما تبعها،

 

 تعاني الأمة الإسلامية والعربية من حالة تغييب لتراثها وحضارتها منذ مدة ليست بالقليلة، والتي ربما سبقت سقوط دولة الخلافة وما تبعها، وسبقها من دلالات ووقائع أوصلتنا اليوم لأن تكون الأمة في تكوينها مسخاً مفرغاً من كل نكهة خاصة، ومن كل دلالة تشير إليه إلا ما قل.

وفي غمار حرب الوعي ومحاولات الإحياء، نستعرض التجارب ونبحث عنها والتي من شأنها إعادة إحياء الروح الإسلامية الشاملة بخصوصية أصيلة في مجالات مختلفة، وفي هذه السطور نلتقي الفنان ومصمم الجرافيك محمد رجب أحمد، فنان تشكيلي وعضو الجمعية المصرية للفنون التشكيلية، والذي يسعى لتقديم فنه بروح إسلامية عربية، وكان نص حوارنا معه كالتالي:

ما تقييمك الشخصي لتجربتك الذاتية؟

     من المعلوم للقاصي والداني، أن أي نجاح يتم تحقيقه يحتاج إلى الصبر والاجتهاد، فالنجاح يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والإصرار، والنأي بالنفس عن اليأس والقنوط، وأن يضع نصب عينه تحقيق الهدف بصفة مستمرة، مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، في أثناء الهجرة، وما عاناه من جهد ومشقة للوصول إلى المدينة المنورة، ومن ثمّ نشر الدعوة الإسلامية الكريمة، فالسيرة النبوية التي ندرسها في المدارس والجامعات، ونقرأها في الكتب، ونستمع إليها في وسائل الإعلام المختلفة، لا بد أن نستنبط منها الدروس والعبر، وأن نحياها في حياتنا اليومية.

    ما أكثر الصعوبات التي تواجهك كمصمم؟

     حقيقة بدايتي مع الفكرة الإسلامية بدأت مبكرة، لكن فعلياً كانت في عام 2007م حيث قمت بعمل جديد بروح إسلامية غير تقليدية عنوانه “اشحن رصيدك الإيماني، ذقت طعم الطاعة فلقيت كنزاً”، وهو مستوحى من أفكار واقعية من حياتنا اليومية، ولكن قبل أن أقوم بعرضها كانت مرفوضة مسبقاً، ولكنها بمجرد نشرها حازت قبول جمهور عريض، واليوم بحمد الله نتحدث عنها كمدرسة في التصميم موجودة، ولو أنني كنت تقوقعت على نفسي ورضيت بالمدرسة التقليدية واستخدمت المدفع والهلال، سوف أظل كما أنا دون أي تطور.. ولكن ما أقدمت عليه كان نقلة في العالم العربي بأكمله برغم التحديات.

        ما العلاقة بينك وبين الألوان؟

     في الأصل أنا رسام زيتي للمناظر الطبيعية، والتواصل بين الفنان والناس هو سحر الألوان، فلو ابتكر الفنان شكلاً مميزاً ولكنه ينقصه الدقة في اختيار الألوان ولا يُحسن توظيفها بالشكل المناسب؛ فمن الضروري أن يسقط عمله في عالم النسيان، ولا يلتفت إليه أحد.

نريد توضيحاً أكثر..

     أنا أتعامل مع الألوان المتوافقة، وأقوم بمراعاة العامل النفسي للمشاهد، بمعنى أن المجتمع العربي بوجه عام في الفترة الأخيرة، نلاحظ عليه حالة من الاكتئاب والحزن والغضب المكتوم الذي يكتنفه نتيجة الأزمات التي يتعرض لها، لذا لا يصلح أن أعرض عليه الأعمال التي ترمز للكآبة والحزن، لذا أستخدم معه الألوان الزاهية والبراقة، التي تساعد في إخراجه مما هو فيه من كآبة وحزن.

هل هناك ألوان خاصة بالإسلاميين؟

     قبل العام 2007م كانت المدرسة الكلاسيكية هي المنتشرة، حيث الألوان الغامقة التراثية، الألوان ذات الأصالة، أما بعد عام 2007م استخدمت أسلوباً جديداً في مخاطبة الناس، حيث اخترت الأسلوب الشبابي، الذي يحوي الألوان الساخنة والألوان الباردة، مع توظيفها في الأعمال الإسلامية وكان لها مردود كبير في وقتها، لأنها ملئت بالروح الشبابية، لأن رسالتي موجهة للشباب.

ومن نظرتي كفنان أن الشباب يتحمل مسؤولية المجتمع في المستقبل، ويملك الطاقة، ومن ثم حرصت على مخاطبته بالأسلوب الذي يناسبه.

ما الإضافة الجديدة التي حدثت حين قمت بالربط بين فنك وبين المجتمع؟

     حينما كنت أشارك في المعارض الفنية، كنت ألتقي بالفنانين وأتبادل معهم التحية والسلام، ثم ننصرف كل إلى حال سبيله، بدون أدنى فائدة تذكر، والناس لا تستفيد شيئاً، لأنه لا يوجد جمهور، لقد كنا نخاطب أنفسنا ونتحدث عنها أكثر مما كنا نتحدث عن مجتمعنا، لذا أنا حريص على مخاطبة المجتمع حتى يتأثر المجتمع بالفكرة الكامنة في التصميم، ومن ثم تنتشر.

ومثال آخر على ذلك؛ قديماً كان التصميم الإسلامي لا يُقبل عليه إلا الإسلاميون فقط، أما ما أقوم به من تصميم فهو للجميع، سواء ملتزم وغير ملتزم، ومن أحد المواقف الطريفة أنني رأيت مجموعة من الشباب غير الملتزم أمام أحد أعمالي وهم يتناقشون بصوت مرتفع؛ ماذا أقصد من وراء هذا التصميم؟ واختلفت الآراء فيما هو المقصود من التصميم هكذا يتفاعل معك الشاعر.

وأنا أتذكر أن تصميم الحجاب كان يتم توزيعه بواسطة المحجبات على المحجبات فقط دون غيرهن، لذا قمت بعمل تصميم عبارة عن “بنبونية” مغلقة، و”بنبونية” أخرى مفتوحة يقف عليها الذباب، وهذا التصميم انتشر في العالم العربي بشكل كثيف ولاقى رواجاً بين دوائر وشرائح مختلفة من المجتمع وليس فقط المحجبات.

ما أبرز الجهات التي عملت معها؟

– عملت مع لجنة الإغاثة العالمية، وكنت مصمماً للحملة الدعائية للمنشد سامي يوسف، كذلك كنت المصمم الخاص للدكتور إبراهيم الفقي – رحمه الله – فضلاً عن كثير من المؤسسات في مصر والسعودية.

هل أنت مؤمن أن الصورة أقوى من النص؟

     بالتأكيد الصورة أقوى؛ لأنها مباشرة قائمة على الرؤية وليس لها محمل آخر غير ما نراه بأعيننا، أما الصوت أو الكلام فهو قائم على الاحتمال والاستنتاج، وما بني على الاحتمال والاستنتاج لا يبنى عليه يقين أو برهان.

والطريف أن أحد خطباء المساجد رأى أحد التصاميم التي قمت بتصميمها، فقال لي: لقد اختصرت الخطبة التي أعددتها في هذا التصميم.

والتصميم والابتكار والفكرة ليس بالأمر السهل أو الهين، بل هو جهد مضنٍ، ومخاطبة الناس والوصول إلى جذبهم ولفت أنظارهم ليس سهلاً، من هذا المنطلق أنا أطلق على هذا “فن الممكن”.

فالتصميم يصاحبه معاناة البحث عن الفكرة وكيفية عرضها على المجتمع، مع مراعاة القناعات الدينية والمحذورات الشرعية، والكل ينصهر في بوتقة “فن الممكن” في كل تصميم أقوم به.

ما النصيحة التي توجهها للمصممين أقرانك؟

     المحافظة على الهوية.. والغريب أننا لو كلفنا أحد المصممين الأجانب من غير المسلمين، بتصميم عمل لحملة إسلامية؛ بالتأكيد سيكون عمله أفضل وأتقن من العربي المسلم، لأنه يغوص في إبداعه، ويتقن عمله، (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {128}‏) (النحل)، لذا أي عمل ناجح لا بد أن يصاحبه الإحسان والإتقان، ومن ثم فأنا أنصح أي شاب عربي مسلم أن يتمسك أولاً بهويته العربية.

كذلك أنصح أي فنان في بداية حياته عدم العجلة في جني الثمار، فأي عمارة أو برج يتم بناؤه يسبقه بناء الأساس، والأساس مكانه في الأسفل فلا أحد يراه بالرغم من أن بناءه قد يظل شهور فضلاً عن الجهد والمعاناة في البناء، وبعد الفراغ من بناء الأساس، سيصبح بناء الأدوار التالية أقل صعوبة، وأكثر سهولة، حتى يصبح المبنى شامخاً عالياً محلقاً في السماء.

أما مشكلة المصمم العربي فهو يبدأ بالدهان والديكور في الهواء، لذا عليه أن يهتم أولاً بالأساس، ومن ثم البناء عليه.

موقف لن تنساه؟

     أنا في الأساس رسام، وحضرت محاضرة للدكتور إبراهيم الفقي، وكنت بصحبة أحد الأصدقاء الذي نصحني بالصعود إلى الدكتور وتعريفه بنفسي وبأنني رسام وأن أعرض عليه خدماتي، فرفضت وقلت لصديقي: إن شاء الله سوف أكون المصمم الخاص للدكتور، ولم أقلل من قدري، وهذا ليس من الكبر أو الغرور، وبعد عدة أشهر من هذا الموقف، فوجئت أن د. إبراهيم الفقي يطلبني لكي أكون المصمم الخاص لأعماله، وبعد ذلك أصبحت المصمم الوحيد لكل أعمال د. إبراهيم الفقي.

    ما الرسالة التي تريد توجيهها؟

     مع الانفتاح وجدت أن التصميم مفهوم بأسلوب خطأ، فهل مجرد الجلوس على جهاز الكمبيوتر واستخدام “الفوتوشوب” يصبح هذا الجالس مصمماً، فالمصمم يحتاج أن يتعلم أسس التصميم، فطالب كلية الهندسة على وجه المثال، يتعلم كيف يمسك البرجل، فهل الإمساك بالبرجل مسوغ لكي يكون الممسك به مهندساً؟ وذلك نفس نظام التصميم، فليس كل من استخدم “الفوتوشوب” يكون مصمماً.

الأمر الثاني التأكيد على الهوية العربية الخاصة بنا، فالشباب يتأثر بالغرب، في حين أن الغرب يتمسك بهويته، ومن المستحيل أن يستخدم الغربي الحروف العربية ويفتخر بها، لذا يجب علينا أن نتمسك بكرامتنا وهويتنا في كل تصميم نقوم بتصميمه.

نود أن نختم بنصيحتك للشباب؟

     الشباب العربي يمتلك طاقة وإبداعاً، ولكنه يتقوقع حول نفسه، لذا فهو يحتاج للقدوة التي تقوم بتوجيهه، ولا ينبغي أن نتوجه للغرب لكي يكونوا قدوتنا؛ لأننا في السابق كنا نحن قدوتهم، وإن لم يجد القدوة عليه أن يتخذ من نفسه قدوة.

 

Exit mobile version