تحديات المالية الإسلامية.. وطرق علاجها

تتسع دائرة مساهمة المالية الإسلامية في اقتصاديات الدول الإسلامية وغير الإسلامية على مدار الأربعين عاماً الأخيرة، حتى بلغت استثماراتها على مستوى العالم 1.5 تريليون دولار، من خلال 400 مؤسسة مالية إسلامية، تتبعها عشرات الآلاف من الفروع.

 

تتسع دائرة مساهمة المالية الإسلامية في اقتصاديات الدول الإسلامية وغير الإسلامية على مدار الأربعين عاماً الأخيرة،  حتى بلغت استثماراتها على مستوى العالم 1.5 تريليون دولار، من خلال 400 مؤسسة مالية إسلامية، تتبعها عشرات الآلاف من الفروع.

ولكن هذا التوسع يواجه مجموعة من التحديات التي تستلزم جهداً مستمراً، من أجل طرح الحلول لمواجهة هذه التحديات، والمطلوب أن يقوم بهذا الواجب مراكز البحوث والجامعات بالتعاون مع المؤسسات المالية، صرح بذلك د. على القره داغي، أستاذ الشريعة بجامعة قطر، والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

جاء ذلك في ندوة “تحديات المالية الإسلامية وطرق علاجها” التي نظمتها كلية معارف الوحي بالجامعة الإسلامية بماليزيا، صباح الجمعة 14/11/2014م، وأضاف القره داغي أن مسيرة المالية الإسلامية تحتاج إلى التسديد والتطوير، فالتسديد يساعد التجربة على البقاء والتطوير يؤدي بها إلى معايشة التطورات واحتياجات العصر، فالتجربة شابها تطبيقات غير صحيحة على مدار فترة عملها، وبخاصة فيما يتعلق بالعقود والصكوك، ومن أمثلة ذلك التوريق المنظم والمرابحة العكسية.

وبين القره داغي بأننا مطالبون بالاجتهاد والتطوير في كل شؤون حياتنا، ومن بينها ما يتعلق بالمالية الإسلامية، فالغرب لم يتقدم إلا بالبحث والتطوير، حتى فيما يتعلق بثوابت ثقافتهم الاقتصادية، فمنذ فترة وهم لديهم شكوك فيما يتعلق بدور الفائدة منذ الأزمة المالية العالمية الأولى في عام 1929م، ولكنهم حسموا هذه الشكوك بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008م، بعدما رأوا من مشكلات استجلبها التمويل بالديون.

ولذلك اتجهوا لدراسة الاقتصاد الإسلامي، بشكل دقيق، ولم ينجرفوا وراء عاطفة أو موجة تتطلبها السوق، ولكنهم وضعوا قوانين عمل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بعد دراسة، وإصدار تشريعات منظمة لعمل هذه المؤسسات، وهذا ما حدث في انجلترا وفرنسا.

 وحسب رؤية القره داغي، فإن إجراء مراجعة للرأسمالية الغربية على مدار الـ100 عام الماضية، يظهر وجود فارق كبير في المفاهيم والتصورات الاقتصادية، فرضها عليهم الواقع، وغيروا موقفهم تجاه العديد من القضايا، بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.. ففي فرنسا، وضعوا العديد من القيود على بيع الخيارات بأسواق المال، ومنعوا البيع دون القبض، ولجأت بعض الدول الأوروبية للتأميم إنقاذاً لاقتصاديتها بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008م.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها المالية الإسلامية حالياً، أشار القره داغي إلى عدة تحديات رئيسة، منها ما يلي:

– الفتاوى المتضاربة: حيث نجد في مجال المالية الإسلامية من نهج في الفتوى، نهج التشدد المطلق وأصبح كل شيء حراماً، وهناك أيضاً من اتجه إلى التساهل المطلق، فأصبح كل شيء حلالاً، ونحن نحتاج إلى الفقيه الذي تحدث عنه كثير من علمائنا، بقولهم: “إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيتقنه كل أحد”.

 وركز القره داغي على ضرورة من يتصدرون للفتوى في مجال المالية الإسلامية أن يستحضروا تقديم البديل لما يرونه حراماً، فالله تبارك وتعالى سبق تحريم الربا بإباحة البيع فقال: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة:275)، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمر الصحابي بأن يبع التمر الرديء بالدراهم، ثم يشتري التمر الجيد بالدراهم التي باع بها التمر الرديء، قبل أن ينهي عن بيع التمر الرديء بالتمر الجيد.. وللجامعة ومراكز البحوث دور مهم من وجهة نظر القره داغي في تقديم الفقه الوسطي، الذي يخضع الأمور للبحث والدراسة، والبحث في تقديم البدائل، واستحضار فقه المقاصد والمآلات.

– غياب البيئة القانونية: معظم الدول الإسلامية والعربية، عملت بها المؤسسات المالية الإسلامية قبل أن تصدر قوانين تنظم عملها، وبعضها عمل في إطار قانون الشركات، أو أن تطبق عليها القوانين الخاصة بالمصارف التقليدية، وعدم مراعاة البنوك المركزية لخصوصية العمل بالبنوك الإسلامية، وإخضاعها لنفس قواعد الرقابة والمراجعة، على الرغم من الخلاف البين بين عمل البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية.

 وأشاد القره داغي بتجربة الدول الغربية، التي سبقت عمل المؤسسات المالية الإسلامية بسن القوانين المنظمة لعملها. وطالب القره داغي بضرورة إنشاء مؤسسة قانونية دولية معنية بالمؤسسات المالية الإسلامية، لاعتماد اللوائح والهيكلة لآليات العمل بالبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية.

– المنتجات المالية الرديئة: بيَّن القره داغي بأن هناك بعض المخالفات الشرعية التي لا تتفق وأصول عمل المؤسسات الإسلامية، التي تعتبر الشريعة المحدد الرئيس في تعاملاتها، فوجدنا خلال مسيرة المؤسسات المالية بعض المعاملات التي نصِفُها بالرديئة، مثل المرابحة العكسية، أو التوريق المنظم من خلال السلع والمعادن الدولية، أو ما شاب بعض عقود وصفقات الصكوك.

والحل لهذا الأمر من قبل القره داغي هو امتلاك الجرأة من قبل هيئات المراجعة الشرعية على وجود تصنيف دقيق لرصد هذه المنتجات الرديئة التي تخالف صحيح الشريعة، أو تلجأ للتحايل على الضوابط الشرعية، من خلال النصوص القانونية، وغيرها من الثغرات الفنية الصورية الأخرى.

– التمويل النقدي: عادة ما تلجأ الشركات التجارية والصناعية إلى طلب النقود من البنوك لتمويل أنشطتها المختلفة، ويأتون للبنوك الإسلامية للاستفادة من خدماتها، ولكنهم يريدون العمل بنفس آليات البنوك التقليدية القائمة على عقد القرض أو الدين، في شكل قروض نقدية.

والحل لمواجهة هذا التحدي هو استخدام آليات المضاربة والمشاركة، ولكنها عالية المخاطر، ويحتاج الأمر إلى إعادة النظر فيما هو مدون فقهياً من أن المضارب لا يلزمه الإثبات في أمر الخسارة.. ويرى القره داغي أن دراسة الجدوى للمشروع التي تقدم للبنك الإسلامي، إما أن تكون صدقاً أو كذباً، فإن كانت صدقاً فعلى المضارب أن يثبت أسباب الخسارة، لأن مفردات دراسة الجدوى تؤدي إلى الربح وليس الخسارة. 

– الهوة الكبيرة بين المؤسسات المالية الإسلامية والتقليدية، وذكر القره داغي بأن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية مازالت تمثل نسبة ضئيلة من السوق العالمية، وأن الأمر يتطلب الاتجاه للتنسيق والوحدة بين المؤسسات المالية للوصول إلى حلول سريعة لمشكلات قائمة بين المؤسسات المالية الإسلامية نظراً لصغر حجمها.

 ومن هذه المشكلات، الفائض أو العجز بالسيولة بهذه المؤسسات، ويقترح القره داغي ضرورة الاتجاه لعمل محفظة كبيرة، تمتلك أسهم مجموعة من الشركات التي تعمل في مجالات مختلفة، ويمكن للمؤسسات المالية أن توظف فوائض السيولة بها من خلال بيع وشراء أسهم هذه المحفظة.

– عدم وعي الجماهير، فغالباً ما يأتي جمهور المؤسسات المالية الإسلامية ليسأل عن العائد أولاً ثم الحلال ثانياً، وسبب التقصير هنا، قلة ما تنفقه المؤسسات المالية الإسلامية في مجال الدعوة للمعاملات الإسلامية، وتوعية الجماهير باعتبارات الشرع، وطبيعة عمل المنتجات الإسلامية، والفارق بينها وبين غيرها من المنتجات التقليدية.

وفي هذا الجانب، أشار القره داغي إلى القصور الذي تشهده المؤسسات المالية الإسلامية من حيث غياب مراكز البحوث وتطوير المنتجات المالية، فغالب المنتجات الموجودة تم تطويعها من البنوك التقليدية للتوافق مع قواعد الشريعة.. وهنا شدد القره داغي على ضرورة أن تتجه الدراسات الاقتصادية والمالية في الجامعة ومراكز البحث إلى الجديد من الابتكار والتطوير، وليست العبرة بحجم الدراسة، ولكن بقيمة ما تقدمه من تطوير في مجال المعاملات والمنتجات الإسلامية. وطالب القره داغي باحثي الدراسات العليا بالانطلاق من باب إباحة الأشياء، وبخاصة تلك المتعلقة بأمور الدنيا؛ لأن الانطلاق من باب الحظر يؤدي إلى الجمود والتقليد، وعدم التطوير.

حظيت الندوة في آخرها بمجموعة من الأسئلة والاستفسارات المتعلقة باعتبارات النقدين الذهب والفضة، وارتباطهما بالمعاملات المعاصرة، وكذلك الضوابط اللازمة لتجارة العملات الأجنبية، وبخاصة في البلدان التي تمنع هذه التجارة.

 فكانت إجابات القره داغي بأن النقود الورقية الحالية تنطبق عليها شروط الذهب والفضة؛ لأنها استوفت شروط النقود من الناحية الشرعية والاقتصادية، كما بين أن العبرة في تجارة العملات الأجنبية بالقوانين المنظمة لها، إعمالًا لقاعدة “لا ضر ولا ضرار”، فإن كانت القوانين تمنع هذه التجارة لضرر يقع على الاقتصاد القومي، فالمصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة.

 

 

 

Exit mobile version