الحوثي وصالح.. حقول ألغام تعترض طريق الحكومة الجديدة

خرجت الحكومة اليمنية إلى النور، يوم الأحد الماضي، بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على توقيع اتفاق “السلم والشراكة”، وعلى الرغم من جرعة التفاؤل التي تسود جزءاً من الشارع اليمني بإمكانية الخروج من الأزمة الراهنة،

خرجت الحكومة اليمنية إلى النور، يوم الأحد الماضي، بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على توقيع اتفاق “السلم والشراكة”، وعلى الرغم من جرعة التفاؤل التي تسود جزءاً من الشارع اليمني بإمكانية الخروج من الأزمة الراهنة، فإن قلقاً أكثر يسيطر على الكثيرين الذين يؤكدون أن “حقول ألغام” مختلفة ستعترض طريقها، من أبرزها التحالف الناشئ والمعلن بشكل صريح بين جماعة “أنصار الله” المعروفة إعلامياً باسم “جماعة الحوثي”، ونظام الرئيس السابق “علي عبدالله صالح”.

وأدت الحكومة اليمنية الجديدة برئاسة خالد بحاح، يوم الأحد الماضي، اليمين الدستورية أمام الرئيس “عبدربه منصور هادي”، وعلى الرغم من الدعوات التي أطلقها حزب “صالح” (المؤتمر الشعبي العام)، للانسحاب منها، ومطالبات الحوثيين بـ”تعديلها”، فإن 30 وزيراً حضروا لأداء اليمين، فيما اعتذر 3 لأسباب شخصية، وتخلّف 3 آخرون لتواجدهم خارج البلاد.

وكان من بين من أدوا اليمين الدستورية وزراء محسوبون على حزب الرئيس السابق وجماعة الحوثيين، لكن حزب المؤتمر، قال يوم الإثنين الماضي: إن من حضروا أداء اليمين لا يمثلون الحزب، بعد فشله في إثنائهم عن المشاركة في الحكومة.

وبحسب مراقبين، فإنه أمام الحكومة الجديدة تركة ثقيلة وتحديات جسيمة، معتبرين أن نجاح وفشل الحكومة يعتمد بدرجة أساسية على القوى المتصارعة، ومدى جديتها في دعمها، وأن مهمة هذه الحكومة الأساسية تكمن في استعادة هيبة الدولة المغتصبة وإعادة الثقة إلى الناس بها.

ولم يذهب رئيس الحكومة الجديدة إلى بيع الوهم لليمنيين كما هي الحال مع رؤساء الحكومات المتعاقبة، وقال بحاح في أول بيان تلاه على الصحفيين بعد أداء اليمين الدستورية، ندرك تماماً حجم التعقيدات التي تواجه الحكومة، ولكن لدينا من العزيمة ما قد يعيننا على تفكيك الألغام المزروعة في طريقنا.

ويتصدر الملف الأمني والاقتصادي الأولويات الملحة للحكومة اليمنية الجديدة، فمعظم المحافظات تخرج عن سيطرة الدولة وتحكمها المليشيا، فيما يعيش الاقتصاد اليمني في الحضيض نتيجة الأعمال التخريبية التي تنال من أنابيب تصدير النفط وأبراج الطاقة في محافظتي مأرب والجوف شرقي البلاد، وهو ما أكده بحاح في مؤتمره الصحفي، إذ قال: إن الحكومة التي ستعمل كل ما في وسعها لتنفيذ مهامها الوطنية وفي المقدمة إعادة الأمن والاستقرار وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتحقيق النزاهة في أداء الأجهزة الحكومية.

ورغم التفويض الذي حصل عليه رئيس الحكومة من جميع القوى والمكونات السياسية في البلد، من أجل تشكيل “حكومة كفاءات”، والتوقيع المسبق بألا يتم الطعن فيها بعد تشكيلها، إلا أن جماعة الحوثي، وهي القوة المنفردة على الساحة، هددت بالخروج إلى الشارع مجدداً من أجل ما أسموه بـ”تصحيح الحكومة”.

وقال صالح الصماد، مستشار الرئيس اليمني عن الحوثيين، في تصريحات نقلتها قناة “المسيرة” التابعة لجماعة الحوثي: إن تشكيل الحكومة جاء مناقضاً لاتفاق “السلم والشراكة” الموقع في 21 سبتمبر الماضي، واتفاق التفويض كان ينص على استشارتنا، لكن ذلك لم يحدث.

وبدا رئيس الحكومة بحاح متفائلاً في مؤتمره الصحفي الأول إزاء تلك التهديدات، وقال: إن التباينات السياسية لا تقلقه، وإن مصدر تفاؤله بنجاح الحكومة هو علاقته الطيبة مع مختلف المكونات السياسية، وإدراكه للواقع الديمجرافي بأبعاده المختلفة، ومعرفته بطبيعة أبناء اليمن التواقين إلى الاستقرار والسلام والتنمية والبناء.

وإضافة إلى مهمتها الصعبة في استعادة ثقة اليمنيين بالدولة وخصوصاً بعد انفراط عدد من المحافظات اليمنية عن سيطرتها، يبرز الملف الخارجي في صدارة اهتمامات الحكومة اليمنية الجديدة.

ووفقاً لرئيس الوزراء اليمني، فإن إحدى مهام هذه الحكومة هي إعادة الثقة باليمن لدى مجتمع المانحين من الأشقاء والأصدقاء، والاستفادة المثلى من تمويلات المانحين وتسخيرها في الأغراض التنموية التي خصصت من أجلها.

وفي المجال السياسي، قال بحاح: إن أجندةَ أولويات حكومته، تتضمن تنفيذَ مخرجاتِ الحوار الوطني واتفاقيةِ “السلم والشراكة” للعمل على استكمال صياغةِ الدستورِ والاستفتاء عليه، وما بقي من بنود المبادرةِ الخليجية وإعدادِ سجلٍ انتخابيٍ جديدٍ مبني على إجراءات سلميةٍ يؤسسُ لانتخابات حرة ونزيهة.

وعلى الرغم من التفاؤل الحكومي الكبير بالنجاح في المرحلة المقبلة، فإن مراقبين استبعدوا حدوث ذلك، وخصوصاً بعد حالة التعبئة ضدها من قبل الحوثيين وحزب “صالح”، والدعوات لإسقاطها كما تم إسقاط الحكومة السابقة.

وقال الباحث والمحلل السياسي، عبدالناصر المودع، لوكالة “الأناضول”: إنه ليس هناك من أسباب موضوعية ولا في الحدود الدنيا للقول: إن هذه الحكومة لديها فرص للنجاح، فكون الحوثيبن والرئيس السابق هم من يسيطرون فعلياً على العاصمة صنعاء، وليس هناك من قوة موازية لهم تجبرهم على السماح للحكومة بالعمل، فان هذه الحكومة ستكون مغلولة الأيدي.

وأضاف أنه لا يمكن ألا ترى هذه الحكومة النور، وتسقط في حال قرر “صالح” عدم منحها الثقة في البرلمان كون حزبه مازال يمتلك الأغلبية، وأعتقد أنه سيساوم بهذه الورقة كثيراً ويمنحها الثقة مقابل تنازلات وشروط تحسن من وضعه العام، إلى جانب ذلك، الحوثيون سيستمرون في خططهم لابتلاع الدولة، وسيكون ذلك على حساب عمل الحكومة، ما لم تحدث تطورات أخرى تمنعه من ذلك.

ولم ينص اتفاق “السلم والشراكة” الموقَّع في 21 سبتمبر الماضي على منح الثقة للحكومة من البرلمان كما نصت “المبادرة الخليجية” والدستور اليمني في السابق، حيث باشر بعض الوزراء أداء مهامهم في الوزارات يومي الأحد والإثنين الماضيين، وهو ما يؤكد أن الاتفاق هو مانح الشرعية لها.

وبادرت دول عربية وغربية والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، في بيانات مختلفة، بالترحيب بتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة، ووصفتها بأنها “خطوة على الطريق الصحيح” لاستعادة هيبة الدولة اليمنية.

ووفقاً للباحث المودّع، فإن بيانات التأييد لن تغير الحقائق على الأرض ما لم تتبعها خطوات عملية من الخارج، وتحديداً من دول الخليج تغير التوازنات القائمة منذ 21 سبتمبر (يوم سيطرة الحوثيين للعاصمة صنعاء).

ويبدو الموقف ضبابياً بالنسبة للرئيس “عبد ربه منصور هادي”، وما إذا كان سيرضخ لطلبات الحوثيين والنظام السابق، أم أن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن والولايات المتحدة على الرئيس السابق واثنين من قيادات الحوثيين ستجعله أكثر قوة.

من جانبه، قال الكاتب أيمن نبيل بصحيفة “المصدر” اليمنية: إن الحكومة جهاز تنفيذي لإرادة سياسية، وفي المراحل الانتقالية يكون دور الإرادة السياسية حيوياً بعكس الدول الراسخة ديمقراطياً والتي تكون فيها المؤسساتية وانفصال النظام عن الدولة واضحاً.

وأضاف نبيل لوكالة “الأناضول”: لا نعتقد بأن عقد الآمال على الحكومة الحالية في محله، فكل عوامل الاضطراب على حالها، بالإضافة إلى أن الإرادة السياسية لرأس السلطة والأحزاب السياسية تكاد تكون معدومة.

وعلى العكس من ذلك، يبدو محمد الصلوي، وهو طالب جامعي، متفائلاً بتشكيل الحكومة رغم كل العراقيل التي تحوطها.

وقال الصلوي لـ”الأناضول”: إن هذه الحكومة تتألف من أسماء مبشرة، للمرة الأولى هناك أكثر من 13 دكتوراً، جميعها كفاءات مشهود لهم، وهناك حضور لافت للمرأة والشباب، وأعتقد أن رئيس الوزراء شخصية قيادية بارعة بمقدورها نزع الكثير من الألغام التي ستعترض عمل الحكومة.

Exit mobile version