تقرير: التنمية العربية.. بين الحقيقة والوهم

منذ أن نالت الدول العربية استقلالها في النصف الثاني من القرن العشرين، والتنمية بهذه المنطقة حلم يداعب أجيالاً متتالية من الشعوب العربية

منذ أن نالت الدول العربية استقلالها في النصف الثاني من القرن العشرين، والتنمية بهذه المنطقة حلم يداعب أجيالاً متتالية من الشعوب العربية، فكانت الشماعة الأولى الوحدة الاقتصادية العربية، فأنشأت مؤسسات التعاون العربي، ولكنها بقيت خاوية على عروشها، لا شأن لها بالتنمية، وأنها مجرد مكاتب يتنظم بها موظفون يتقاضون رواتبهم كل شهر، ولا مانع من تنظيم بعض المؤتمرات وورش العمل، وكذلك إصدار بعض التقارير التي أفادت بشكل كبير الدراسات الأكاديمية.

أما الشماعة الثانية؛ فكانت الوحدة السياسية، وهي القشة التي قسمت ظهر البعير، فما بين محاولات الوحدة القسرية، واتفاقيات الوحدة بين عدد من الدول العربية لا يزيد على ثلاث دول من بين 22 دولة، انتهت التجربة، بحروب ثنائية، ونزاعات على الحدود، لم تنتهِ إلى اليوم.

وبقي الجدل، حول الطريق الذي يجب أن تسلكه الدول العربية لتحقيق تجربة إقليمية تنموية، أسوة بما تم في الاتحاد الأوروبي، أو في تجمع الآسيان، فطُرح أن الطريق هو خلق المصالح الاقتصادية بين الدول العربية، وتجنيب المساهمات السياسية.

ومع ذلك مضى نحو ستة عقود ونصف، ولم تتحقق التجربة التنموية العربية، سواء تلك التي أراد لها البعض أن تكون في إطار غربي، أو إطار عربي، أو تجمع بين الغربي والعربي.

وحتى على الصعيد القطري، لم نشهد نموذجاً تنموياً يلفت الانتباه، أو يثير شهية أبناء باقي الدول العربية من حوله، وحتى تلك الدول النفطية، الخليجية منها وغير الخليجية، فكل الدول العربية حسب التقارير الدولية المعنية بالتصنيف التنموي، في التخلف سواء، وإن كان هناك نحو 7 دول عربية، أشد تخلفاً، أو التي تسمى من قبيل المجاملة الأقل نمواً، (السودان، اليمن، موريتانيا، الصومال، جيبوتي، جزر القمر، السلطة الفلسطينية).

وفي إطار السير في ركاب العولمة، ومشروعات المنظمات الدولية نُظم مشروع أممي في نهاية تسعينيات القرن العشرين، سمي بـ”أهداف الألفية الثالثة”، وضع ثمانية أهداف رئيسة، تتفرع منها أهداف فرعية، ووضع لها مستهدفات تتحقق بحلول عام 2015م، منها القضاء على الفقر المدقع، والقضاء على الجوع، والقضاء على الأمية، والقضاء على البطالة، وأمور أخرى تتعلق بالصحة والتعليم، وتمكين المرأة، وحماية الأطفال.

وقد نُظم في إطار جامعة الدول العربية مؤتمراً وزارياً للتباحث فيما يتعلق ببلورة الأهداف والغايات للتنمية العربية بعد عام 2015م، خلال الفترة 27 – 30 أكتوبر الماضي، وأن الوزراء العرب تباحثوا حول قضايا الفقر والبطالة والتشغيل والعمل اللائق، والأمن الغذائي، والتعليم والصحة، وتمكين النساء، والحق في السكن، وحماية الأطفال.

وقد يتبادر إلى الذهن، أن هذا أول الطريق، وأن اجتماع الوزراء سوف يفضي إلى أمور إيجابية، ولكن بحكم الخبرة في متابعة الشأن الاقتصادي العربي، يلاحظ أنه مجرد اجتماع إجرائي، لمؤسسة عربية، هي جامعة الدول العربية، ينتهي العمل في كافة أعمالها إلى اتخاذ توصيات غير ملزمة لأعضائها، ومن جانب آخر، فإن هذا المؤتمر لا يزيد على مؤتمرات موازية تعقد في أقاليم مختلفة، في إطار أجندة الأمم المتحدة التي ترى أهمية استكمال مشروعها الذي مضى عليه نحو أربع عشرة سنة.

وثمة أمر مهم سجله العالم الاقتصادي العربي د. رمزي زكي، في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، في مقدمة تحريره لكتاب “الاقتصاد العربي تحت الحصار”؛ بأنه لا يوجد اقتصاد عربي، ولكن توجد اقتصاديات عربية.

وهذا صحيح، فلا يوجد مؤشر ينظم آليات العمل العربي اقتصادياً على الصعيد الإقليمي، يمكن أن نقرأ من خلاله، وحدة السياسات المالية، أو النقدية، أو التجارية، أو تلك الخاصة بالعمل والتشغيل، أو الاستثمار، أو العملة الموحدة، وخلافه.

إن العبارات التي تتردد منذ الستينيات في مجال إمكانيات تحقيق التنمية، لم تدخل حيز التنفيذ، ومن أبرزها “تعاون الموارد البشرية في مصر، مع المال الخليجي، والموارد الطبيعة في السودان”، أو “المثلث الذهبي الذي يجمع بين مصر وليبيا والسودان”، كما أن المجالس التي تم إنشاؤها داخل الوطن العربي، لم تكن أكثر من حبر على ورق، مثل اتحاد المغرب العربي، أو مجلس التعاون الخليجي، أو مجلس التعاون العربي.

ثمة مجموعة من التحديات التي تواجه التنمية في عالمنا العربي، منها ما هو قديم لا يحتاج إلى إعادة تذكير، ومنها ما استجد على مدار السنوات الماضية، وبلا شك أن استفحال التحديات القديمة، أو إضافة تحديات جديدة لتحقيق التنمية في العالم العربي، يجعلنا نتحدث عن أوهام، وتبقي أي مؤتمر عن التنمية في المنطقة العربي، هي مجرد استهلاك إعلامي، لا يرجى منه أي تقدم، ليس ذلك من قبيل التشاؤم، ولكنه تحليل ورصد للواقع الأليم، وفيما يلي نشير إلى أهم التحديات التي تواجه التنمية العربية.

–    التقويم الخاطئ:

من الخطأ الحديث عن التنمية ومؤشراتها في إطار مسلمة المتوسطات، إذ إن أداء اقتصاديات الخليج، يؤدي إلى تضخيم المؤشرات الاقتصادية للمنطقة على غير الحقيقة، فارتفاع متوسط معدلات النمو مثلاً غير معبرة عن الأداء القطري، فالدول الخليجية كما هو معلوم تمثل نسبة ضئيلة من تعداد السكان للعالم العربي البالغ 365 مليون نسمة.

 كما أن الزيادات النقدية في الدول الخليجية، لم تؤدِّ إلى تراكم رأسمالي أو تقدم تكنولوجي، ومازالت تصنف في تقارير التنمية على أنها دول نامية، وما يرفع أداءها في مؤشر تقرير التنمية البشرية، فقط هو ارتفاع حجم الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم، والتحسن الحادث في البنية الأساسية الصلبة، بينما البنية الأساسية المعرفية في دول الخليج مازالت تعاني من تراجع القيمة المضافة للعنصر البشري هناك.

 وبالتالي يجب أن يتم التقويم لأداء التنمية في المنطقة العربية في ضوء نتيجتين، إضافة دول الخليج وبدونها، حتى نقف على نتائج حقيقية، وفي ختام عام 2014م سنرى مدة تأثير تراجع أسعار النفط على العديد من المؤشرات الاقتصادية العربية، ومن أبرزها معدلات النمو، وقيمة الناتج المحلي العربي، وقيمة الصادرات.

–       غياب دور المؤسسات الإقليمية:

منذ سنوات طويلة والدول العربية تمتلك تلك المؤسسات الإقليمية الخاصة بالعمل العربي المشترك، وعلى رأسها جامعة الدول العربية، وباقي المؤسسات التابعة لها، ومع ذلك لا تمتلك هذه المؤسسات مشروعاً تنموياً واحداً تقوم على تنفيذه، سواء بمفردها أو بمساعدة الحكومات.

إن مشكلات التنمية في الدول العربية لا تعد ولا تحصى، كما أن المشكلات الطارئة لا تنقطع، ومع ذلك لا يلمس دور للمؤسسات الإقليمية، على العكس منذ ذلك نجد أداء دول الاتحاد الأوروبي، ففي ظل الأزمة المالية الأخيرة لمنطقة اليورو، تم تشكيل صندوق الإنقاذ الذي استهدف 200 مليار يورو، فجمع ما يزيد على التريليون دولار على الرغم من الأزمة المالية التي تعيشها أوروبا.

 وذلك بعد اعتماد خطة عمل الصندوق من الدول الأعضاء، وبخاصة تلك التي دفعت حصصاً كبيرة في التمويل، بينما مرت بالدول العربية أزمات الغذاء والطاقة والأزمة المالية العالمية، ولم يحرك الأمر ساكناً في مؤسسات العمل العربي المشترك، اللهم إلا عقد بعض الندوات والمؤتمرات حول تأثير هذه الأزمات على الاقتصاد العربي.

–       ارتفاع سقف النزاعات:

إذا كانت هناك 7 دول عربية تصنف على أنها ضمن الدول الأقل نمواً، فإن هناك عدداً آخر يقارب هذا العدد يشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، بل يصل إلى حد النزاعات المسلحة داخلياً، وبعضها مؤهل لنزاعات بينية، فلدينا كل من مصر وليبيا واليمن وسورية والعراق والسودان وتونس ولبنان، تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.

 كما أن كلاً من سورية وليبيا واليمن والعراق ولبنان تشهد نزاعات مسلحة، تختلف درجاتها من دولة لأخرى، وثمة تخوفات من تدخل مصري جزائري في ليبيا، كما أن النزاع الجزائري المغربي كاد أن يتصاعد خلال الأيام الماضية.

ترى بعد الحديث عن بعض التحديات، وارتفاع سقف النزاعات، التي غاب فيها دور جامعة الدول العربية، كوسيط يمكنه التدخل فيها بشكل إيجابي، يمكن الحديث عن القضاء على الفقر المدقع؟ أو تقليل معدلات الفقر الأخرى، أو العمل اللائق وحقوق المرأة والطفل، إن حديث الأرقام السلبية عن الأداء الاقتصادي بالمنطقة العربية، أصبح حديثاً مكروراً، ولا يحتاج إلى تدليل أو برهان، ولكن أداء المؤتمرات والندوات، لم يعد يؤدي أي دور إيجابي يصب في الواقع الفعلي لتحسين أوضاع التنمية بالمنطقة.

لن نذهب للماضي البعيد، ولكن لنراجع قرارات القمة الاقتصادية العربية، والتي شهدت ثلاث قمم منذ عام 2009م، بدءاً من الكويت والقاهرة ثم الرياض، ماذا نفذ منها على الأرض؟ الغريب أن الأرقام تشير إلى ارتفاع البطالة والفقر في المنطقة منذ عقد هذه القمة في عام 2009م، على الرغم من ارتفاع العوائد النفطية، للدول العربية النفطية، وكذلك الحديث عن أهمية الشراكة والاستثمار البيني العربي!

 

Exit mobile version