الدعارة في نواكشوط.. انتشار غير مسبوق وضحايا بالعشرات

برزت في الآونة الأخيرة مجموعة شبابية أسست مبادرة سمتها “لا للإباحية”

لم تعد التعاليم الإسلامية الحنيفة حائلاً يحول بين الإنسان الموريتاني وممارسة الدعارة، حيث أصبحت الظاهرة تنتشر بشكل مخيف في نواكشوط وأنواذيبو، وبعض المدن الداخلية الأخرى، وتعتبر الظاهرة أكبر مسبب للأمراض الخطيرة والمستعصية كـ”السيدا”، والأمراض المعدية، وكذا المنتقلة جنسياً، فضلاً عن تسببها في جرف الكثير من الشباب وحتى الشيوخ إلى الإدمان على ممارسة الرذيلة والسلوكيات الدخيلة على المجتمع الموريتاني المحافظ.

وحسب جمعيات مهتمة بهذا المجال، فإن كثر من 800 حالة اغتصاب سنوياً تسجل في بلادنا، تشمل اغتصاب الأطفال والقاصرات، 90% منها لا يعلن عنه؛ بسبب الخوف من الفضيحة والعادات الاجتماعية السائدة، ولا يتعرض المغتصب فيها لأي عقاب، بل لا يجد من يقدم شكوى ضده أصلاً!
آلاف حالات التحرش والإساءة إلى النساء والفتيات والأطفال سنوياً في المدارس وأماكن العمل والشارع، إضافة إلى الانتشار الكبير للمواد المخدرة والكحوليات بحيث تصل إلى المراهقين والشباب بكل سهولة ودن أي عناء.

وتؤدي مقاهي الإنترنت ومراكز الألعاب والفيديو التي تعرض الأفلام الإباحية على الأطفال من عمر 5 سنوات فما فوق دوراً أساسياً في انتشار الظاهرة في أوساط الشباب، بدون أي رقيب ولا مساءلة قانونية.
وتعتبر “البارات” والمطاعم من أكثر الأماكن احتضاناً لهذا النوع من الرذيلة والأخلاقيات الضارة، حيث يكون المشرف عليها أجنبياً في أغلب الأحيان، ويتلقى الدعم من معاونيه (قائمين على العملية والمروجين..) وهم في الغالب موريتانيون.

جهود شبابية

وقد برزت في الآونة الأخيرة مجموعة شبابية أسست مبادرة سمتها “لا للإباحية”، وتهدف حسب القائمين عليها إلى محاربة المسلكيات الضارة في الأوساط الشبابية وغيرها.

وقد دأبت هذه المبادرة على تنظيم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات النضالية، إلا أنها تقابَل بالقمع وعدم التجاوب من قبل السلطات الموريتانية، حيث تقدمت بطلبات متعددة من أجل ترخيص مسيرات، إلا أنها دائماً ما تقابَل بالرفض، وهو ما يقول نشطاء المبادرة: إنه تلبيس من السلطات، وعلى هذا النوع من الظواهر الاجتماعية الذي يهدد تماسك المجتمع، على حد تعبيرهم.

وقد أعلنت المبادرة أنها في إطار حملتها لحجب المواقع الإباحية، قد أرسلت قبل أشهر رسالة رسمية إلى سلطة التنظيم وشركات الاتصال الثلاث العاملة في البلاد؛ لمطالبتهم بحجب المواقع الإباحية وغير الأخلاقية، إلا أنها وحتى الآن لم تتلقَ أي استجابة رسمية لهذه المطالب، حسب قولهم.

أما من جانب شركات الاتصال، فلم ترد منهم على رسالة المبادرة سوى شركة واحدة قالت: إن هناك لجنة فنية مشتركة تعمل على حجب المواقع الإباحية، إلا أنها لم تحدد في رسالتها السقف الزمني لعمل هذه اللجنة.

رمضان فرصة سانحة

وقد أكدت المبادرة أنها وضعت برنامجاً للنضال في شهر رمضان المبارك من أجل تحقيق أهدافها السامية، وفي هذا الإطار دأبت على تنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية كانت الجمعة الأولى من الشهر هذا الشهر الكريم بداية لهذه النشاطات، حيث انطلقت المسيرة من الجامع الكبير في العاصمة، لكنها تعرضت لقمع شديد من أفراد الشرطة، رغم أنها مسيرة سلمية خالصة، ولا تشكل أي تهديد للأمن العام حسب نشطاء المبادرة.

وفي الجمعة الثانية من رمضان (3 أغسطس 2012م) تقدمت المبادرة إلى حاكم تفرغ زينة بطلب ترخيص لمسيرة سلمية من الجامع الكبير إلى وزارة الداخلية، لكن الرد جاء في آخر لحظة بعدم قبول الترخيص لهذه المسيرة، وتم التصدي لها من طرف الشرطة ومنعها، وفي يوم الأحد (5 أغسطس) قامت المبادرة أيضاً بوقفة سلمية أمام مسجد الشرفاء بوسط العاصمة.

وقد كان آخر نشاط لهذه المبادرة تنظيمها لوقفة احتجاجية الجمعة الماضية أمام مسجد “الشرفاء” وسط العاصمة نواكشوط، حيث قام نشطاء المبادرة بحرق مجسم يمثل أوكار الدعارة في موريتانيا، متعهدين بمواصلة تحركاتهم السلمية وببدء حملات ملاحقة قانونية خلال الأيام القادمة ضد من سموهم المتورطين في نشر الفساد الأخلاقي في موريتانيا.

مطلب المبادرة

وتتلخص أبرز مطالب المبادرة في إغلاق أوكار الدعارة ومحلات الخمور، وسن قانون لتجريم المشتغلين بها وتقديمهم للعدالة، وحجب المواقع الإباحية، وحظر تداول جميع المواد المسكرة والضارة بالصحة، وكذلك تجريم المتعاطين لها.

وتقول الجمعية: إنها ماضية في النضال السلمي والمدني حتى تتحقق مطالبها التالية:

1- إغلاق كافة أوكار الدعارة والرذيلة وتجريم العاملين فيها وتقديمهم إلى العدالة.

2- إغلاق جميع محلات بيع الخمور والمسكرات وتجريم العاملين فيها وتقديمهم إلى العدالة.

3- حجب المواقع الإباحية جميعاً ولدى كل مزودي الإنترنت في البلاد: “موريتل – شنقيتل – ماتال.”

4- وضع رقابة صارمة على مقاهي الإنترنت العمومية ومحلات أشرطة الفيديو ومنعها من عرض وتوزيع المواد الإباحية وإيقاع عقوبات صارمة بالمخالفين منها.

5- إنشاء شرطة آداب ذات تكوين أخلاقي ومهني عالٍ؛ كي يناط بها مهمة الحفاظ على الأخلاق العامة في المدن ومحاربة الانحراف والجريمة الأخلاقية.

6- وضع عقوبات صارمة لجرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي وانتهاك حرمة الشارع تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد.

7- حماية المرأة من جرائم التحرش والاغتصاب في المدرسة والعمل والشارع وفي كل مكان.

8- التركيز على نشر القيم والأخلاق الفاضلة من خلال مناهج التعليم بمختلف مراحلها عبر تعزيز مكانة مادة التربية الإسلامية والمواد الداعية للفضيلة.

9- إلزام جميع المدارس الخاصة والعمومية بحماية أخلاق التلاميذ وتوفير جو أخلاقي مناسب للتعليم.

10- تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في نشر القيم الفاضلة وحماية الأخلاق العامة.

أرقام مخيفة

صدر خلال عام 2006م تقرير رسمي من السلطات الموريتانية جاء فيه: إن 5.3 من الرجال المتزوجين الذين شملهم الاستطلاع قد خانوا أزواجهم مع شريكين أو ثلاثة خلال سنة، وإن 9.1% من غير المتزوجين قد انجرفوا في الرذيلة مع أكثر من شريك، وهو ما يؤكد أن البغاء ينتشر بشكل كبير وإن بصفة سرية، ومن أكثر مقاطعات الوطن احتضاناً لهذه الظاهرة مقاطعة الميناء، إذ تتمتع المومسات فيها بحماية مباشرة من بعض رجال الأمن – على غرار أغلب المشتغلات في هذا الميدان – تسمح لهن بالعمل دون مضايقة وفي وضح النهار، بل إن بعضهن تنفذ عمليات احتيال ونصب في حق ضحاياها آخذة في الحسبان مكانتها المميزة في قلب مفوضية الشرطة.

الأمم المتحدة دقت هي الأخرى ناقوس الخطر؛ حيث أصدرت أواخر القرن الماضي تقريراً على موقعها الإلكتروني يتخذ من البغاء في موريتانيا موضوعاً له، أشار إلى أن مقاطعة الميناء تحتوي وحدها على 200 بائعة هوى تتوزع على أكثر من 30 ماخوراً، ومع علمنا أن العدد قد يكون أكبر من هذا بكثير، إلا أننا سنكتفي بهذا العدد لإجراء عمليات حسابية بسيطة تبرهن على انتشار “السيدا” في المجتمع الموريتاني؛ إحدى المومسات صرحت في إطار التقرير آنف الذكر أن زبائنها أحياناً يبلغون 15 زائراً في الليلة الواحدة، لكنها أردفت أنه في مواسم كساد تجارتها – في رمضان مثلاً – لا يقل زوارها عن خمسة أشخاص في الليلة الواحدة، فلو أخذنا بأصغر قيمة في المجال (5 – 15) لوجدنا أن هذه المومس تمارس الجنس سنوياً مع 1800 رجل على أقل تقدير، بمعنى أن بيوت الدعارة في الميناء وحدها تستقطب سنوياً 360 ألف رجل، ولك – عزيزي القارئ – أن تتصور لو أسقطنا الأمر على باقي مومسات نواكشوط وأنواذيبو وباقي أنحاء الوطن أليس الأمر مؤسفاً؟!

مركز العلاج المتنقل في نواكشوط الذي أنشئ في ديسمبر 2004م ويتكفل حالياً بـ3767 مريضاً من بينهم 1767 تحت العلاج بالمضادات الفيروسية، أكد أن العدد الإجمالي للأشخاص المتعايشين مع الأيدز في موريتانيا يدور حول 25 ألف فرد؛ ما يمثل معدل إصابة بـ0,7% من الموريتانيين.

 

 

 

Exit mobile version