تحليل: إعمار غزة رهن “ترميم” البيت الفلسطيني

اتفق المحللون على أن عودة الخلافات ولغة التراشق وتبادل الاتهامات بين الحركتين قد تعرقل أي جهود لإعادة إعمار قطاع غزة

اعتبر محللون سياسيون واقتصاديون أن ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي أو ترميمه، وإنهاء الخلافات السياسية التي بدأت تظهر مؤخراً بين حركتي “فتح” و”حماس”، كفيل بتسريع دوران عجلة إعادة إعمار قطاع غزة.

واتفق المحللون، في أحاديث منفصلّة لوكالة “الأناضول”، على أن عودة الخلافات ولغة التراشق وتبادل الاتهامات بين الحركتين قد تعرقل أي جهود لإعادة إعمار قطاع غزة، وأن غياب الموقف السياسي الموحد، يؤدي لانحرف بوصلة إعمار ما دمرته آلة الحرب الصهيونية.

ويرى هاني المصري، المحلل السياسي ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية في رام الله (غير حكومي) أنه على الفلسطينيين أن يتوجّهوا إلى مؤتمر المانحين، الذي سيعقد في 12 من الشهر المقبل بالقاهرة، بخطاب سياسي موحّد، وبموقف يخلو من التراشق الإعلامي.

ويؤكد المصري لـ”الأناضول” أنّه دون حوار وطني شامل، بمشاركة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، والخروج بإستراتيجية وطنية موحدة، تدعم صمود قطاع غزة، سيبقى الحديث عن “الإعمار” رهن المؤتمرات والبيانات.

ويتابع المصري: ما حققته المقاومة من إنجاز على الميدان في قطاع غزة، يستوجب أن تتبنى السلطة والفصائل وفي مقدمتها حركتا “حماس” و”فتح”، خطاباً سياسياً موحداً، فالتحرك السياسي الموحد والمدعوم بأوراق القوة، يعتبر قانون الانتصار لأي شعب.

من جانبه، يقول الكاتب الفلسطيني والمحلل الاقتصادي، سمير أبو مدللة: إن الوفد الفلسطيني الموحد في القاهرة، والذي تفاوض مع “إسرائيل” بشكل غير مباشر، استطاع بفضل وحدته، أن ينتصر سياسياً، ويدعم إنجاز المقاومة على الأرض.

ويضيف لـ”الأناضول”: واليوم نحن أحوج ما نكون، لاستمرار هذا الموقف السياسي الموحد، والعمل بشكل جاد على تطبيق بنود المصالحة، فالوحدة الوطنية، هي الضامن الأساسي لإعادة إعمار قطاع غزة.

وشكّل الفلسطينيون وفداً موحداً في مفاوضات القاهرة غير المباشرة مع “إسرائيل” لتحقيق تهدئة طويلة في قطاع غزة، وأسفرت هذه المفاوضات في السادس والعشرين من يوليو الماضي، عن اتفاق أوقف حرباً “إسرائيلية” دامت لـ51 يوماً، تسببت في مقتل 2153 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير آلاف الوحدات والمباني السكنية، وفقاً لأرقام فلسطينية رسمية.

ويمضى أبو مدللة قائلاً: مطلوب الآن تشكيل وفد فلسطيني موحد، تكون مهمته، الإشراف على إعمار قطاع غزة، وأن تتشارك السلطة، والفصائل في بناء وتنمية غزة، والابتعاد عن أي منكافات سياسية، قد تعطّل من تقديم المنح المالية اللازمة لإعادة إعمار القطاع.

وتسود حالة من التوتر في العلاقات بين حركتي “فتح” و”حماس” منذ انتهاء الحرب “الإسرائيلية” على غزة.

وتتهم حركة “حماس”، كوادر من “فتح”، التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، بالسعي إلى تشويهها وشيطنة منهجها، وتشويه ما وصفته بالانتصار الكبير على “إسرائيل” خلال الحرب الأخيرة، وهو ما تنفيه “فتح”.

في المقابل، اتهم ناطقون باسم “فتح” في تصريحات وبيانات صحفية، حركة “حماس” في غزة بـ”إقامة حكومة ظل كبديل عن حكومة التوافق الوطني، وفرض إقامات جبرية على كوادرها في القطاع، وإطلاق الرصاص عليهم”، وهو ما تنفيه “حماس”.

وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام، وقّعت حركتا “فتح” و”حماس” في 23 أبريل الماضي، على اتفاق للمصالحة، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.

وأعلن في الثاني من يونيو الماضي، عن تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، حيث أدى الوزراء اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية، إلا أن هذه الحكومة لم تتسلم حتى اليوم المسؤولية الفعلية في القطاع.

ويرى معين رجب، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة، أنه بدون ترتيب أو ترميم البيت الداخلي الفلسطيني، فإن غزة ستكون صاحبة الضرر الأكبر.

ويضيف لـ”الأناضول”: في هذه المرحلة نحن على الأقل بحاجة إلى جهود قوية وموحدة، للضغط على “إسرائيل”، لإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، من أجل إعادة الحياة للاقتصاد المدمر، وإصلاح الضرر الكبير والواسع الذي ألحقته الحرب بكافة مناحي وقطاعات الحياة.

وتمنع “إسرائيل” إدخال العديد من البضائع، وأهمها مواد البناء لغزة، منذ فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية بداية عام 2006م، حيث فرضت حصاراً مشدداً، وشددته عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة عام 2007م.

وسمحت “إسرائيل” بإدخال كميات محدودة من مواد البناء بداية شهر سبتمبر من العام الماضي، ثم عادت ومنعت إدخالها في الشهر التالي (13 أكتوبر 2013م)، بدعوى استخدامها من قبل حركة “حماس” في بناء تحصينات عسكرية، وأنفاق أرضية.

ويتابع رجب: رفع الحصار “الإسرائيلي” عن قطاع غزة، وفتح المعابر، وإعادة الإعمار، وتوفير فرص لآلاف العاطلين عن العمل، يتطلب موقفاً فلسطينياً موحداً، للخروج برؤية سياسية واقتصادية تدعم توفير التمويل اللازم من قبل الجهات المانحة.

ووفق اتحاد العمال في قطاع غزة، فإن الحرب “الإسرائيلية” رفعت عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة.

وأوضح الاتحاد، في بيان سابق، أن قرابة 30 ألف عامل، توقفوا عن العمل، بفعل الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة، والتي أدت إلى تدمير عدد كبير من المصانع والورش والشركات والمحال التجارية.

وأضاف الاتحاد أنّ 200 ألف، من أصل 330 ألف عامل، في سوق العمل الفلسطيني بقطاع غزة، باتوا عاطلين عن العمل، لافتاً إلى أن الحرب “الإسرائيلية” دمرت 500 منشأة اقتصادية.

ولا خيار أمام حركتي “فتح” و”حماس” في الوقت الحالي، كما يقول أحمد يوسف، المحلل والكاتب الفلسطيني، سوى إزاحة الخلافات السياسية جانباً.

ويقول يوسف، الذي يشغل منصب رئيس مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات بغزة (خاص)، لـ”الأناضول”: إن حركة “حماس” مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، وبعد الإنجاز الذي حققته عسكرياً في قطاع غزة، أن تنسى خلافاتها مع حركة “فتح”.

واستدرك بالقول: كما أن حركة “فتح” مطالبة هي الأخرى بتذليل أي عقبات، قد تقف في طريق إعمار وتنمية غزة، فعلى جميع الفصائل والقوى، أن تضع نصب عينيها مصلحة المشردين وآلاف النازحين والبيوت المدمرة.

ويرى يوسف أنه يجب إعطاء حكومة التوافق الفلسطينية كافة الصلاحيات لمباشرة أعمالها مع دعم كافة الفصائل لها سياسياً، والاتفاق على إستراتيجية موحدة، من شأنها أن تشكل النواة نحو تحقيق أهداف “الإعمار”.

وتسببت الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، والتي استمرت لـ51 يوماً، بتدمير9 آلاف منزل بشكل “كامل”، كما دمّرت 8 آلاف منزل بشكل “جزئي”، وفق إحصائيات أولية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.

ووفق إحصائيات فلسطينية وأممية، فإن الحرب “الإسرائيلية” خلفت نحو 500 ألف نازح، لجأ أغلب هؤلاء إلى وسط المدينة، سواء في مدارسها، أو مستشفياتها أو المكوث عند أقاربهم وأصحابهم.

وقدّر المجلس الاقتصادي الفلسطيني للإعمار (حكومي)، التكلفة الإجمالية لعملية إعادة إعمار وتنمية غزة بنحو 7.8 مليار دولار أمريكي، جراء الدمار الذي خلّفته الحرب “الإسرائيلية”.

وأعلن وزير الخارجية النرويجي، “بورغي بريندي”، أن مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، سيعقد في الثاني عشر من شهر أكتوبر المقبل في مصر، وهو ما أكده وزير الخارجية المصري سامح شكري.

Exit mobile version