في تاريخ الثورة المصرية وبعدها الانقلاب كان حرق السيارات من أهم الملامح، فقد أحرق بعض من يطلق عليهم “البلطجية” وبعض الناشطين السياسيين من الشباب أتوبيسات كان يستقلها أفراد من جماعة الإخوان المسلمين، ثم بعد الانقلاب وبعد مرور عام عليه، حُرقت أتوبيسات
في تاريخ الثورة المصرية وبعدها الانقلاب كان حرق السيارات من أهم الملامح، فقد أحرق بعض من يطلق عليهم “البلطجية” وبعض الناشطين السياسيين من الشباب أتوبيسات كان يستقلها أفراد من جماعة الإخوان المسلمين، ثم بعد الانقلاب وبعد مرور عام عليه، حُرقت أتوبيسات للنقل العام المملوكة للدولة، وينسب هذا التحريق للثوار ممن يعارضون الانقلاب، من الإخوان وغيرهم.
وبعيداً عمن قام بهذا الفعل؛ هل هم الإخوان أو غيرهم، فهذا يقوم به جهات التحقيق، ولكن الأمر – كما قال العلماء – “يُحكم على الأفعال لا على الذوات”، فإحراق أتوبيسات النقل العام أو إحراق سيارات خاصة لبعض الأشخاص ما لم تُستخدم في قتل المتظاهرين فهي مال محترم يحرم على المسلم الاعتداء عليه، ومن حرقها فقد أتى فعلاً محرماً، وكان آثماً عند الله تعالى.
وذلك لما يلي:
أن حرق أتوبيسات النقل هي من المال العام الذي يعود نفعه على المواطنين وأفراد الشعب قاطبة، فهو حق للشعب وليس حقاً لسلطة الانقلاب، فيكون الاعتداء عليه هو اعتداء على حقوق الملايين.
ومثل هذا الفعل يعد نوعاً من أنواع الغلول، وإن كان الغلول هو أن يأخذ المجاهد مالاً دون علم الإمام، فيقاس عليه إتلاف المال العام، كما قال تعالى: (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {161}) (آل عمران).
ووجه الحرمة هنا بين الغلول وإحراق وسائل النقل العام أن كلاً منهما مال عام اعتُدي عليه بغير وجه حق.
والاعتداء على وسائل النقل العام ليست من الجهاد في سبيل الله، ولا تصح أن تكون وسيلة لتغيير المنكر لما فيها من تعطيل مصالح المسلمين، وتلك الوسائل إنما يعود نفعها على الجميع، ولا يتحصل لسلطة الانقلاب ضرر في إحراقها؛ لأنهم سيشترون غيرها من أموال الشعب وليس من أموالهم الخاصة، فيكون الضرر عائداً على الجميع بمن فيهم من قام بحرق وسائل النقل العام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “لا ضرر ولا ضرار”.
كما أنه من المتفق عليه بين الفقهاء أن حرمة الاعتداء على المال العام أشد من حرمة الاعتداء على المال الخاص، فمن أخطأ في حق رجل أو أسرة بخلاف من أخطأ في حق مجموع المجتمع، وهو من أكل المال بالباطل المنهي عنه، كما قال ربنا سبحانه: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم) (البقرة:188).
وفي حديث مسلم عند أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه”، وفي صحيح البخاري عن خَوْلةَ الأنصاريَّة أنَّها سَمِعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنَّ رجالاً يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامة”، قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: أي يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعمُّ من أنْ يكون بالقِسمة وبغيرها.
والحفاظ على المال العام هو من باب الأمانة التي أمرنا بها، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُن من خانك”.
كما أن الشريعة أوجبت الحفاظ على المال؛ فحفظه من مقاصد الشريعة، من جانب الوجود بكسبه من حلال وإنفاقه في وجوه النفع، واستثماره، وحفظه من جانب العدم، بتحريم إتلافه والاعتداء عليه أو كسبه من غير طريق مشروع، وفي الحديث: “إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام”.
والواجب على من أتلف وسائل النقل العام وعرف بشخصه وجب عليه أن يدفع قيمة ما أتلف من المال العام، وهذه توبته الواجبة عليه.
فإنه لا خلاف بين الفقهاء في أن من أتلف شيئاً من أموال بيت المال بغير حق كان ضامناً لما أتلفه، وأن من أخذ منه شيئاً بغير حق لزمه رده، أو رد مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً.
فالواجب على الثوار أو غيرهم من عموم المسلمين الحفاظ على المال العام، ويحرم عليهم الاعتداء عليه، وأن يحافظ عليه من التلف بكل وسيلة ممكنة، ولا يتلف أو يعتدي على المال العام إلا إذا استخدم كوسيلة لقتل المتظاهرين؛ لأنه يقدم حفظ النفس على حفظ المال، ولا يكون هذا إلا في حالة استعمال المال العام للاعتداء على الناس، فيحل إتلافه وهلكته إن تعين إتلافه وسيلة للحفاظ على النفس، وهذا غير متحقق في حرق أتوبيسات النقل العام.