حاصروها، جوعوها، قصفوها، وأدموها.. لكن أبت عزتها أن تنكسر
حاصروها، جوعوها، قصفوها، وأدموها.. لكن أبت عزتها أن تنكسر, وأبت هامتها أن تنحني.. إنها رمز المقاومة، وضمير الأحرار، لا يعاديها إلا متصهين أو منافق، ولا يتآمر على مقاومتها إلا خائن لدينه وعروبته، ولا يسكت عن مساعدتها إلا خوار جبان.
إنها غزة يا سادة، تلك البقعة الفلسطينية الباسلة وكل أرض فلسطين باسلة, ولكن اللصوص قد استفردوا بجزء منها, تنبعث منه حمم المقاومة والشموخ، آملين أن يسكتوه وأن يسقطوه، تغرهم الأماني أن تمحى من الوجود العزة، وألا يبقى لأرضها في العالم مكان.. إنها غزة التي طالت عليها أعوام الحصار، وتآمر عليها المرجفون من لصوص الغرب والعرب، فأبت التسليم والانكسار.
ولعل البعض يتساءل: إلى ما يرمز “الأربعين حرامي” في هذا المقال، والحقيقة أنهم ليسوا فقط أربعين بل ربما ملايين من الخونة والمتصهينين ومتقزمي الهمم الذين باعوا القضية ورضوا الدنية، وشربوا دماء المسلمين في كؤوس من الذل في حضرة بني صهيون ومن وراءهم.. فلم يعد يعنيهم أنهم مسؤولون عن أمم تعج بالملايين المتعطشة لتحرير فلسطين، ولم يعد يؤثر فيهم أنه من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، ولم يعد يحركهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، ولم يعد يبعث فيهم الهمة والنخوة أنه (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال:72)، ولم يعد يثير فيهم الغيرة والشهامة لحرمات المسلمين أن “المسلمين كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”!
كيف يغيرون؟ وكيف يفيقون؟ وكيف يثأرون؟ وهم الذين غاصوا في دماء المسلمين غوصاً؛ فظلموا أهليهم وشعوبهم قبل أن يتورطوا في دماء مسلمي فلسطين ومصر وسورية وبورما وأفريقيا الوسطى وأفغانستان والشيشان وداغستان وليبيا وآراكان وكشمير.. لقد صاروا غثاء كغثاء السيل بعد أن قذف في قلوبهم حب الدنيا وكراهية الموت، فصاروا أمواتاً في الحياة؛ ولأن الأموات لا يفعلون ولا يفيدون ولا يسمعون؛ فدعكم منهم ومن مناشدتهم، فالرهان عليكم يا أحرار الأمة التي تنتفض من مشرقها لمغربها، ليكن لكل منا دور في أمة تستفيق بعد ثبات عميق، تنفض عنها غبار النوم وتمحو آثار الطغيان والعدوان، أمة لم تعد تنطلي عليها أكاذيب الإعلام ولا تثبيط علماء الحكام ولا كهنة العلمانيين واللئام.
وهذه غزة الحرة الأبية أمامكم مثال، تصفع الآلة العسكرية لجيش عمَّ المرجفون أنه لا يُقهر، هذه غزة المقاومة تصنع سلاحها، لتصل يدها لتل الربيع المحتلة (تل أبيب)، وها هم شباب غزة الذين لقبوهم بالأمس بأطفال الحجارة، ويا ليت شعري فقد كان “الأربعين حرامي” وأشباههم يسخرون من الحجارة، ومازالوا يسخرون حتى بعد أن تحولت الحجارة إلى صواريخ يصل مداها ليافا وحيفا وتغطي سماء فلسطين طائرات “أبابيل” صنعت في غزة فلسطين، لتصبح أول طائرات عسكرية محلية الصنع في العالم العربي الذي يشتري حكامه السلاح والغذاء والدواء من الغرب، بينما يسخر بعضهم في ذات الوقت من الصواريخ والطائرات الفلسطينية التي تركع 5 ملايين صهيوني في الملاجئ ومواسير الصرف.. تلك الصواريخ المسماة بأسماء الشهداء “مقادمة، رنتيسي، جعبري..”، حتى صار على الصهاينة أن يحذروا قبل أن يخططوا لقتل قادة المقاومة؛ لأنهم يتحولون بعد وفاتهم لصواريخ تدك أعماق الكيان اللقيط، فدعوهم يسخرون وفي طغيانهم يعمهون بينما المقاومة التي كانت حجارة وصارت صواريخ تطور نفسها وغداً تزداد دقة الصواريخ ومداها وقدرتها التفجيرية لتحرر الأرض والعرض، وفي نفس الوقت الذي تضرب فيها المحتلين، فهي تصيب قلوب المتصهينين وعروشهم وتزلزل بنيانهم الهش في عقول كل باحث عن الحق والحرية والكرامة والعزة.