بفضل الله تعالى حطت طائرتنا على الأراضي التركية عند تمام الساعة العاشرة صباحاً، مازالت إسطنبول تفرك بقايا الصبح من عينيها، ومازال هناك نهار مشمس بانتظارنا, خرجت أنا وحقيبتي وشوقي لتفاصيل المدينة.. للتاريخ.. للحضارة.. للمآذن.. للبحار.. ولطيور النورس المحلّقة.
الممتع في الرحلات الجماعية أنك لن تقف طويلاً بانتظار «تاكسي» يقول لك: «أنت وحقائبك بسعرٍ جيد», فالحافلة الكبيرة بانتظارنا أنا وبقية الوفد، تحركنا للفندق المطل على زرقة «البوسفور» الذي يقع في الجانب الأوروبي لهذه المدينة، توزعنا على الغرف بانسيابية ومرونة، وانطلقنا بعد ساعة ونصف الساعة من الراحة إلى برج سفير الذي يعتبر أعلى برج في أوروبا، الصعود إلى القمة يمنحك فرصة لأن ترى إسطنبول وكأنك تجلس على غيمة، هذا المنظر الآسر للقراميد الحمراء واصطفاف المنازل، وتظهر المآذن مرتفعة ومتناثرة بكثرة، وبحكم كوني قانونية أدهشني وجود قانون يمنع من ارتفاع المباني فوق المآذن، فلا شيء يعلو على «الله أكبر».
اليوم الثاني: صباح جميل جداً.. اتجهنا لقضاء يوم ثقافي في ربوع إسطنبول، وجهتنا الأولى كانت إلى «وقف الأنصار»، وهو مكان لتدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية بالمجان على نفقة المحسنين، تأسس الوقف في عام 1979م، أي منذ نحو 35 عاماً على يد خريجي أول دفعة من كلية الشريعة في جامعة إسطنبول، ما لفت انتباهي أن لديهم مركزاً لتعليم القيم التربوية على مستوى أكاديمي؛ حرصاً منهم على القيم والعلم، فلا يتخرج الدارس إلا وهو صاحب دين وخلق وقيمة.
انطلقنا بعد ذلك لوجهتنا الثانية، وهي «أكاديمية إسطنبول»، حيث إن لهذه الأكاديمية قصة عجيبة وفريدة، تتمثل في أن «أحمد»، وهو أستاذ في الدراسات والتاريخ الإسلامي، فُصل من عمله؛ لأنه دافع عن دخول المحجبات الجامعة! بعدها ظل يبحث حتى وجد أن القانون يسمح بأن يكون هناك فرع في المدينة لأي جامعة بالخارج، فسافر «أحمد» إلى هولندا وأسس جامعة هناك، ورجع لتركيا ليأخذ ترخيصاً لإقامة فرع لها في إسطنبول، كل هذا العناء لأجل دخول المحجبات للجامعة، وأن ينلن شرف التعلم، وإيجاد مكان يحتضن طموحهن وآمالهن.
تعجبت من تضحية هذا الرجل بوظيفته ومصدر رزقه للدفاع عن قضية كهذه، فهم يدافعون عن هوية إسلامية، ونحن كم هوية إسلامية فقدناها! وكم من واجبٍ تهاونا عن الدفاع عنه! هذا التباين الفكري الشاسع، فهناك من يدافع عن دينه، وهناك من يدفع دينه جانباً!
وبالفعل أقيمت الأكاديمية عام 2006م، حيث بدأت بشقة صغيرة، ثم أصبحت مبنى ضخماً في قلب مدينة إسطنبول.
اتجهنا بعد ذلك لبلدية «مرمرة»، أهم مؤسسة حكومية في تركيا، حيث قدم لنا السيد «إسكندر»، من قسم العلاقات العامة، نبذة عن اتحاد بلديات مرمرة وآليات العمل لديهم، منظومة مهمة وغاية في الترتيب والجدية، خرجت من البلدية بهدفهم الراقي وهو تيسير الخدمات على المواطن.
اليوم الثالث: صباح الهمة والنشاط.. فبدأنا زيارتنا لهذا اليوم لمؤسسة (IHH)، وهي هيئة عالمية للإغاثة الإنسانية، تأسست عام 1995م في ألمانيا، وافتتح فرع لها في تركيا، ولديهم حتى الآن 136 مشروعاً في أنحاء العالم، بين عمل ثابت وموسمي في أماكن الحروب والفقر والكوارث الطبيعية، وقد قابلنا هناك السيد حسن، نائب الرئيس، وحدثنا بشكل مفصل عن أعمال هذه الهيئة المباركة.
يقول عن مساعداتهم الأخيرة لسورية: «لم نستطع الدخول وكسر الحصار بأجسادنا بل دخلنا بأرواحنا».. أسأل الله أن يبارك لهم في أعمالهم ويعينهم على البذل والعطاء،
اتجهنا بعد ذلك لبحر مرمرة لـ«أسطول الحرية»، وكانت في استقبالنا السيدة «زليها»، إحدى المشاركات في هذا الأسطول، حدثتنا بصوت تملؤه الذكريات والحرقة وهي تردد: «لم نكن نحمل سلاحاً، كنا محملين بالمساعدات الإنسانية فقط»! وعندما كانت تتحدث عن التفاصيل كنت أفكر وأتساءل: لماذا سبقتنا تركيا رغم أن ارتباطنا بغزة أعمق بكثير؟!
أما وجهتنا الثالثة فكانت إلى «بانوراما الفاتح».. مكان ثقافي جميل، بتصميم مبدع، ثري جداً بمعلومات قيمة ومفيدة، يعكس تاريخ تركيا والخلافة والفتوحات الإسلامية.
ثم بعد ذلك انتقلنا للوجهة الرابعة وهي «دار الحكمة»، وقد قابلنا السيد عبدالعزيز، رئيس هذه الجمعية، وقد حدثنا عن الهدف من إنشائها؛ وهو احتضان الجاليات العربية، وتوفير بيئة إسلامية سليمة لهم وفق منهج وسطي في بلاد الغربة.
كان بانتظارنا 6 أسرى ليقصّوا علينا قصص معاناتهم وكفاحهم، هُم أسرى فلسطينيون، حُكم عليهم في السجون الصهيونية بين 17 – 20 عاماً.
السعي للحرية
يقول هارون نصر الله: عشرون عاماً قضيتها في السجون الصهيونية، ولم يثننا وجودنا في السجن عن السعي للحرية في كل يوم، وأضاف: أكملت البكالوريوس والماجستير في السجن!
تعجبت من قوة إرادتهم، أغلبهم أكمل الماجستير والدكتوراه، بدأ حياة من الصفر، ولكن لم يمنعهم شيء من المضي قدماً في هذه الحياة والنجاح!
اليوم الرابع: صباح الإنسانية.. صباح الرحمة.. اليوم الذي انتظرنا بزوغ فجره منذ أن وصلنا إلى تركيا.. فقد قمنا بزيارة مدرسة «بنيان الرحمة» التابعة للجنة الرحمة العالمية، أول مدرسة للطلبة أبناء النازحين السوريين في تركيا.
لا أدري.. من سيفرح بمن؟ نحن سنفرح بهم، أم هم سيفرحون بما حملناه لهم؟ هذا اليوم الإنساني يُحيطني بقوله تعالى: { إنَّمّا پًمٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ } (الحجرات:10)، دفعتنا الأخوة الإسلامية للوصول إليهم، وحمل التبرعات والهدايا من أجلهم، هذا الإخاء الجميل هو الذي جعل هذه الرحلة مباركة ومُيسّرة، وبعد هذه الزيارة الإنسانية انتقلنا لمدرسة «القرآن» التي تقع في منطقة «الفاتح»، الجميل في هذه المنطقة أنها منطقة ذات لون إسلامي مميز، حيث تمسّك سكانها بالهوية الإسلامية وارتداء الزي الإسلامي الساتر في قلب أوروبا!
وصلنا إلى منزل صغير فيه باب قصير لا تستطيع أن تمر به إلا بعد أن تنحني برأسك قليلاً، وكانت في استقبالنا السيدة «جميلة»، مديرة المشروع، هذه المدرسة مخصصة للفتيات، وتضم 40 طالبة، يتم تدريسهن العلم الشرعي لمدة خمس سنوات، والطالبات يقمن في هذه المدرسة، حيث يدرسن ويحفظن القرآن ويأكلن سوياً، لا تشغلهن وسائل الترفيه والتسلية، وبقلوب يملؤها الحب واللهفة لطلب العلم.
شكراً للمشرفات الإداريات:
إبتهال الأيوب، شروق الهديب، نادية الزامل، ريم الحبشي، دانة البالول.. شكراً لقطاع العمل الشبابي لأمانة العمل النسائي في جمعية الإصلاح الاجتماعي.. شكراً لـ«رحلة السراة» ولإسطنبول التي جمعتنا، وأتمنى تسجيلي في الرحلة القادمة بإذن الله تعالى.>
ماذا قالوا عن الرحلة؟!
د. وليد الشايجي:
نيابة عن المحارم بهذه الرحلة، نشكر القائمات في «القطاع الشبابي» على مثل هذه المشاريع التي تربط الشابات بعضهن بعضاً، وتربطنا بإخوة في الإسلام خارج الوطن، وتعرفنا بهم وبأنشطتهم، وتعزز فينا مبدأ «إنما المؤمنون إخوة».. مع تمنياتنا لكن بالتوفيق وتسجيلنا في الرحلة القادمة.
بيبي الأيوب:
جزاكن الله ووالديكن الجنة.. شكراً لكن من القلب، وبارك الله فيكن وفي جهودكن الجبارة.
منيرة القضيبي:
رحلة السراة.. جمال هذا العام وروعته.. نقطة تغيير جديدة في حياتي.. صانعة أهدافي القادمة.
جمعتني بأخوات لا أروع منهن ولا أطيب.. هي حياتي لتلك الحياة.. هي إعادة لترتيب حياتي بأسرها.
شكراً لكل من ترك أثراً في قلبي.. شكراً للجهود الجبارة.. شكراً لك ربي أن اصطفيتني لأكون بينهن.
فاطمة العتيبي:
صباحي ينقصه وجودكن فيه.. تعودت رؤية هذه الوجوه ذوات الابتسامة الصادقة.. أشكر لكن عطائكن.
نجله الفودري:
الله يعطيكن ألف عافية.. ما قصرتن.
نورة القطان:
الحمد لله حمداً خالداً كخلوده.. والشكر موصول لكن من القلب.. والله ما قصرتن.
شهد الصقعبي:
لقد استأنسنا واستمتعنا معكن.
ندى العيسى:
كانت رحلة جميلة.. جزاكن الله خيراً.. سامحننا على أي تقصير.
عائشة المذكور:
تعجز الكلمات أن توصل مدى سعادتي بهذه الرحلة.. بالفعل التقيت بأشخاص وأفكار راقية.
إن شاء الله تتحول الزيارة إلى أفعال وإنجازات.
فاطمة اللهو:
نحبكن ونشكركن على هذه الرحلة التي هي أكثر من عجيبة.
مريم الشايجي:
بفضل الله تعالى.. كانت رحلة ممتعة وثرية.
جزاكن الله خيراً.. كانت من أروع الرحلات.. شكراً من القلب.