الجنود المرتزقة.. وقود الصراعات الدولية

الشـركـــــــات الأمنيـــــــة فــــــي العـــــراق.. نموذجــــــــــــــــاً

حذر كتاب «بلاك ووتر بروز أقوى جيش مرتزقة في العالم» للكاتب «Jeremy Scahill» من أخطار الشركات الأمنية  العاملة في مناطق التوتر العالمية.. وقد برز اسم شركة «بلاك ووتر» في وسائل الإعلام العالمية بشكل لافت في 31 مارس 2004م، بعد أن قتلت المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة أربعة أمريكيين يعملون لدى الشركة، وقاموا بحرق جثثهم وتعليقها على الجسر الحديدي، كرد فعل على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الهمجي في المدينة الصامدة. 

 

ادعت إدارة الشركة حينذاك أن الأشخاص الأربعة كانوا في مهمة توفير الحماية لقافلة شاحنات محملة بالمواد الغذائية..وفي أبريل 2005م نجحت المقاومة العراقية في إسقاط طائرة نقل، تمتلكها الشركة، تقل 11 شخصاً قتلوا جميعاً؛ من بينهم 6 أمريكيين، و3 بلغاريين، و2 من فيجي. 

وفي 23 يناير 2006م، أسقطت المقاومة طائرة أخرى تعود ملكيتها إلى شركة «بلاك ووتر» في شارع حيفا قتل فيها خمسة أشخاص. 

 النشأة والأدوار

تتكون الشركة من تسع شركات فرعية وهي: 

Blackwater Training Center 

Blackwater Target Syestems 

Blackwater Canine

Blackwater Airships، LLC

Blackwater Armored Vehicle

Blackwater Maritime

Raven Development Group

Greystone Limited

 Blackwater Security Consulting.    

والأخيرة متخصصة في مجال الاستشارات الأمنية أنشئت في عام 2002م.

مقر الشركة في ولاية North Carolina، وتم إنشاؤها تحت اسم «بلاك ووتر أمريكا» عام 1997م. 

ويقول موقع الشركة على شبكة الإنترنت إنها تتخصص في تقديم الدعم العسكري للأجهزة المنفذة للقانون والأمن وحفظ السلام وعمليات حفظ الاستقرار. 

ولا ينحصر نشاطها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بل توفر خدمات واسعة لزبائنها في كافة أنحاء العالم؛ من خلال شركاتها الفرعية التسع؛ حيث يزعم موقع الشركة الإلكتروني أنها تضطلع بدعم السياسة الأمنية الوطنية والدولية التي تحمي المواطنين العزل، وتوفر بإخلاص صوتاً حراً للجميع!

يرأس الشركة جاري جاكسون Gary Jackson، عمل سابقاً في القوات الخاصة التابعة للقوات البحرية الأمريكية. أما مالك الشركة فهو المليونير Erik Prince  سبق أن خدم في سلاح البحرية الأمريكية، وهو يميني مسيحي أصولي من عائلة جمهورية تعتبر من كبار الداعمين لحملات الجمهوريين الانتخابية، وهو عضو في مجلس إدارة مؤسسة Christian Freedom International، (الحرية العالمية للمسيحيين)، وهي مؤسسة غير ربحية، تسعى لتقديم المساعدات للمسيحيين المضطهدين ــ في عرفها ــ بسبب إيمانهم بالمسيح  ــ حسب موقعها الإلكتروني ــ الذي يصفها بأنها مؤسسة إنسانية لا طائفية توفر المساعدات والدفاع وكتب الإنجيل للمسيحيين المضطهدين في مناطق النزاع أو الاضطهاد في العالم.

ويضم مجلس إدارة شركة «بلاك ووتر» كلاً منJoseph E. Schmitz   المفتش العام الأسبق لوزارة الدفاع في حقبة ريجان، وJ. Cofer Black  نائب رئيس مجلس الإدارة (المنسق السابق في مكتب مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية لدى كولن باول)، بالإضافة إلى عدد من كبار مسؤولي البنتاجون والمخابرات المركزية السابقين..

مرتزقة «بلاك ووتر»

وتعتمد الشركة على عناصر المرتزقة من كافة أنحاء العالم، من أبرزهم الكوماندوز التشيليين الذين سبق أن تدربوا وعملوا في الأجهزة الأمنية القمعية التابعة لحكومة الدكتاتور التشيلي السابق أوجستو بنوشيه  «Augusto Pinochet»، وهذه العناصر تتقاضى أجوراً عالية، حيث يبلغ معدل الدخل اليومي للعاملين في هذه الشركة ما بين 300 و600 دولار أمريكي.. ورغم أنهم ليسوا أمريكيين إلا أنهم يؤدون القسم الأمريكي قبل عملهم بالشركة..

و«بلاك ووتر» ليست الشركة الوحيدة العاملة في العراق، فهناك أكثر من 60شركة أمنية أجنبية تعمل في العراق، وجميعها منظمة في اتحاد واحد تحت اسم «اتحاد الشركات الأمنية في العراق»PSCAI. 

ويقدر عدد الأفراد العاملين في هذه الشركات ما بين 30 إلى 50 ألف عنصر. ومن ثم يشكلون القوة الثانية بعد الولايات المتحدة بالعراق.

أهمّ الشركات العسكريّة والأمنية

 «دايني كروب»: مركزها ولاية كاليفورنيا، تعاقدت لتدريب شرطة البوسنة، واتهم موظفوها بارتكاب جرائم اغتصاب ومتاجرة بفتيات قاصرات في البوسنة، لم يخضع أيّ منهم للعقاب، وتقوم الآن بتدريب الشرطة العراقيّة!

وتشرف على نشر البضائع «الإسرائيليّة» في الأسواق العراقيّة، وهي المسؤولة عن حماية أغلب السفارات الأمريكيّة في العالم..

«كيلوج براون ورث» البريطانية: تعمل في مجال صيانة الثكنات وإعداد الطعام ونقل التجهيزات وخدمات الماء والكهرباء. 

«أرنيس للخدمات الأمنية» الأمريكية: لها 6500 مرتزق يقومون بحماية أعضاء مجلس الحكم الانتقالي السابق وحماية أنابيب النفط. 

«ساندلاين إنترناشونال» البريطانية: وتختص بخدمات التنسيق الأمني، وتعاقدت بمبلغ 293 مليون دولار في يونيو 2004م. 

«فينيل كورب»: مركزها ولاية فرجينيا، وتقوم بتدريب الجيش الجديد، ولديها مسرح عمليات واسع في الشرق الأوسط والعراق.

«كوستر باتلز للخدمات الأمنية»: وهي شركة أمريكية تقوم بتأمين حماية مطار بغداد الدولي وتأمين التموين ومهام النقل، وهي متهمة بقضايا تحايل وسرقة مليارات الدولارات من ثروات العراق. 

«كلوبال ريسكس استرانيجز» البريطانية: تقوم بحماية مطار بغداد الدولي ولديها 500 مرتزق من دولة النيبال و500 آخرين من جزر فيجي. 

«آرمور كروب إنترناشيونال لعمليات الأمن الدفاعي والتدريب»: لديها 90مرتزقاً، في بداية الحرب كانوا نحو 1500، وفي يوليو 2004م بلغت أرباحها 89 مليون دولار، وفي عام 2003م تجاوزت أرباحها 51 مليون دولار. 

«ستيل ماونديش»: لديها 50 مرتزقاً حالياً، وكان عددهم نحو 500 في بداية الحرب.. 

«إيجيز ديفينس سيرفيسز»: شركة بريطانية لديها 200 مرتزق في العراق، حققت أرباحاً بلغت 6 ملايين جنيه استرليني في عام 2003م، و15 مليون جنيه استرليني في عام 2004م، وتقوم بمهام التنسيق العسكري والمدني وحماية القوات الأمريكيّة وتدريب قوات عراقية. 

«إيرفيز»: وهي شركة بريطانية تقوم بالحراسات الأمنية في الموصل، لديها 400 موظف معظمهم من جنوب إفريقيا ولها حصة الأسد في عقود العمل في العراق. 

«كونترول ريتس كروب»: وتقوم بتقديم الاستشارات الأمنية وخدمات حراسة مدنية، حققت أرباحاً بلغت 47مليون جنيه إسترليني في عام 2003م، و80 مليون جنيه عام 2004م.

علاقة «بلاك واتر» بإدارة بوش 

استخدمت الإدارة الأمريكية عناصر «بلاك ووتر» لتوفير الحماية لأعضائها في العراق، ابتداءً من بول بريمر إلى نيجروبونتي وانتهاءً بزلماي خليل زاده. 

حيث أشاد زلماي بعناصر «بلاك ووتر» في تعليقه على حادثة سقوط إحدى الطائرات التابعة للشركة بشارع حيفا بالعراق، قائلاً: إنهم رجال أكفاء وسبق أن عملوا معي.

وللشركة نشاطات واسعة في كل من العراق وأفغانستان، كما يذكر الكاتب Jeremy Scahill  أن الشركة تسعى للعمل في السودان كقوات حفظ سلام في دارفور. 

ويذكر الكاتب أن هناك مفاوضات مباشرة جرت مع الجيش الشعبي للتحرير المشارك في الحكومة للسماح للشركة بتدريب «المسيحيين» في جنوب السودان عسكرياً، كما يشير إلى دور مالك بلاك ووترErik Prince   في مؤسسة الحرية العالمية للمسيحيين التي استهدفت السودان لسنوات طويلة. ويصف «برينس» شركته بأنها امتداد وطني للجيش الأمريكي.

وكذلك استخدمت الحكومة الأمريكية عناصر من بلاك ووتر في مدينة New Orleans  بعد إعصار كاترينا للسيطرة على الوضع الأمني في الولاية..

الرؤية القانونية للمرتزقة

موظفو الشركات العسكريّة الأمنية الخاصّة، أو شركات الحماية الأمنية، المتعاقدون، أو المقاولون الأمنيون، أيّاً كانت تسمياتهم، ليسوا أكثر من عناصر ارتزاق أو مرتزقة، أفراداً كانوا أم جماعات ظهروا بوضوح في الثلث الأخير من القرن الماضي كظاهرة ملموسة، وكمهنة احترافية، خاصّة في الدول الإفريقية التي غادرها الاستعمار الفرنسي أو البريطاني..

لكن تاريخهم الحقيقي يمتد إلى ما قبل الثورة الفرنسية في عام 1789م، إذ كانت المطاعم والفنادق عادة ما تعلّق لوحات تحمل كتابات مثل: «يمنع دخول الساقطات والكلاب» ــ في إشارة إلى المرتزقة، ذلك أنّ سلوك الجنود المرتزقة وممارساتهم غير المقبولة جعلت منهم عنصراً مرفوضاً من المجتمعات الأوروبية بصورة عامة. 

ويعرف «ألن بيليه» أستاذ القانون الدولي في جامعة نانتير الفرنسية عنصر المرتزقة بأنّه «ذلك الشخص الذي يدخل طرفاً في نزاع بدافع الربح، وهو عمل يمنعه القانون الدولي».

وقد اشتهرت مجاميع المرتزقة بأدوار منافية لقيم المجتمعات الإنسانيّة مقابل أجر، دون أن تكون لهم قضية يقاتلون من أجلها، وغالباً ما يكون المرتزقة من العسكريّين المتقاعدين، خاصة الذين سبق أن عملوا رسمياً كأفراد حماية لمسؤولين في دولهم، أو حماية الأثرياء والمشاهير وغيرهم، والمرتزق عادة ما يكون محترفاً حياة الجندية التي يكتسب منها قدرة قتالية وكفاءة عالية لا تتوافر لمن لا يعيش حياة الجندية بصورة دائمة.

ومن وجهة النظر القانونيّة، فإنّ المرتزقة يخرجون عن نطاق التعريف الوارد في البروتوكول الأول الإضافي باتفاقيات جنيف وغيره من المعاهدات ذات الصلة حول تعريف المقاتلين، وتمييزهم عن غيرهم من المرتزقة. 

وتؤكد جيلارد من اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، جواز ملاحقتهم قضائياً في حالة ارتكابهم جرائم تنمّ عن عدم احترامهم القانون الدولي أثناء النزاعات المسلّحة.

ويشوب القانون الدولي غموض واضح بخصوص مسؤولية المرتزقة عن التجاوزات والانتهاكات التي يرتكبونها، ومثولهم أمام القضاء في الدول التي ارتكبوا فيها تجاوزاتهم وانتهاكاتهم، كما أنّ النظام القضائي في مناطق النزاعات يكون متردياً إن لم يكن غائباً، وهو ما يثير قلق المواطن الضحية، والمنظمات والهيئات الإنسانيّة الدوليّة والمؤسسات والجمعيات الحقوقية والقانونية بخصوص إفلات الجناة من العقاب لصعوبة معرفة سلوك المرتزقة، بسبب عدم تقديم الشركات التي يعملون فيها تقارير إلى الحكومات أو المنظمات الإنسانية في بلدانهم الأصلية أو التي يعملون فيها..

وعلى الرغم من أنّ جنوداً نظاميين مثلوا أمام محاكم عسكرية أمريكية أو بريطانية لمقاضاتهم بشأن الجرائم التي ارتكبوها في العراق، إلا أنّ المرتزقة لم يخضعوا لأيّ شكل من أشكال الملاحقات القضائيّة.

وقد أوجب القانون الدولي الإنساني على الدول التي تستقدم شركات الحماية الأمنية، مسؤولية احترام القانون الدولي الإنساني، وكذلك على الدول التي أنشأت تلك الشركات على أراضيها أو تعمل فيها، وبإمكان هذه الدول الضغط على الشركات باتجاه حظر أنشطة معينة، كالاشتراك المباشر في العمليات العدائية ما لم تكن الشركة مدمجة في القوات المسلّحة، وفرض حصولها على ترخيص بممارسة نشاطها، استناداً إلى الوفاء بمعايير منها تلبية شروط معينة كتدريب الموظفين في مجال القانون الدولي الإنساني، والحصول على تصريح لكلّ عقد؛ وفقاً لطبيعة الأنشطة المقترحة والوضع القائم في البلد الذي سوف تعمل فيه الشركة، مع تحديد عقوبات ضدّ من ينتهك هذه الشروط.. 

كما تلزم اتفاقيات جنيف الجيوش أثناء الحروب التمسّك بالقانون الدولي من قبل الجيوش المتحاربة، وحماية المدنيين العزّل، وفي حال وقوع إحدى الدول المتحاربة تحت الاحتلال فإنّ المسؤولية الأمنية في الأراضي المحتلة تقع على عاتق القوات النظامية لقوات الاحتلال وحدها، وتتحمّل هذه القوات تبعات الاستعانة بالشركات الخاصّة لحماية الأمن، وإنّ إقدام أيّ مسلّح من هذه الشركات على قتل أيّ مواطن يعتبر جريمة يحاسب عليها طبقاً للقوانين الدوليّة، وهو ما يجب العمل بـه في العراق حالياً. 

ويرى بعض الخبراء الدوليين ضرورة التمييز بين مهام شركات الحماية الأمنية وبين مهام عناصر المرتزقة، لأنّ استخدام المرتزقة حسب وجهة نظرهم أمر محظور حسب اتفاقيات جنيف، ولكن وجهة النظر المناقضة ترى أنّ عمل هؤلاء لا يختلف كثيراً عن عمل المرتزقة، وأنّ الفرق الوحيد بين ما تفعله هذه الشركات وما يفعله المرتزقة، هو موافقة الحكومة على ما تقوم به الشركات الأمنية، بل وتعتبر أداة لتنفيذ أهداف محددة.. ولم يوجه أحد أيّ اتهامات بخرق اتفاقيات جنيف للبنتاجون الذي منح أكثر من ثلاثة عقود عمل للشركات الأمنية الخاصّة، مع العلم التام بأنّها لا تخضع لقواعد الحرب وقوانينها.. 

والأدهى من ذلك تبرئة الجيش الأمريكي شركة أمن بريطانية من ارتكاب مخالفات جنائية، بعدما أظهر شريط فيديو على الإنترنت متعاقداً مع شركة «ايجيس البريطانية للخدمات الأمنية» يقوم بإطلاق النار على سيارات مدنية في العراق. وأوصى التحقيق بعدم توجيه تهم، لأنّ الحادث لا يتنافى مع القواعد المتبعة بشأن استخدام القوة من قبل الأفراد المدنيين العاملين في هذه الشركات. 

المهام والأجور

مع ازدياد الطلب على العنصر المرتزق ظهرت الحاجة إلى العمل على شكل مجاميع صغيرة ما لبثت أن تطورت إلى شركات تمارس نشاطها علناً في أكثر من بلد أوربي وإفريقي، وفي الولايات المتحدة أيضاً، وهناك تقارير تشير إلى اتهام الحكومة البريطانية بزعامة توني بلير بخصخصة الحرب في العراق، كجزء من إستراتيجيتها للخروج من العراق، استناداً إلى تقرير منظمة «وور أون ونت»..

ونقلت صحيفة الإندبندنت عن «جون هيلاري» مدير المنظمة قولـه: «إنّ احتلال العراق سمح للمرتزقة البريطانيين بجني أرباح هائلة، فيما فشلت الحكومة في تفعيل قوانين تعاقبهم على انتهاك حقوق الإنسان، ومن ضمنها إطلاق النار على المدنيين العراقيّين». 

ويتسلّح المرتزقة في العراق بأحدث التجهيزات العسكريّة، إضافة إلى المركبات المصفحة رباعية الدفع، وطائرات مروحية، وأجهزة كومبيوتر متطورة جداً، وكذلك تسخير الأقمار الصناعيّة في خدمة تحركاتهم وإرشادهم نحو أهدافهم. 

يتمتع المرتزق بمغريات عدة؛ من أجور مرتفعة تتراوح ما بين (500  ــ  1500 دولار أمريكي يومياً) فيما لا يتعدى معدل راتب الجندي النظامي 3000 دولار شهرياً، وهو ما شجّع الكثير من الجنود على الالتحاق بشركات الحماية الأمنية الخاصّة، ومقارنة بظروف العمل المتشابهة مع المرتزقة، يتقاضى الشرطي العراقي أقل من 400دولار شهرياً، وهو ما يلقي المزيد من الضوء على تعدّد أساليب نهب الثروات العراقيّة، حيث تحقق الشركات الأمنية الخاصّة، عوائد سنوية تصل إلى 100 مليار دولار في العراق وأفغانستان، وتتصدّر الشركات البريطانية القمة في تحقيق هذه العوائد..

وقد نجحت شركة «إيجيس للخدمات الأمنية» في رفع رأسمالها المدور من 554ألف جنيه إسترليني قبل بدء الحرب على العراق عام 2003م إلى 62 مليون جنيه عام 2005م.. 

ومع اتساع ساحات الصراعات الدوليّة زادت الحاجة إلى المرتزقة، كما جرى في حروب البلقان وأفغانستان وفي العراق الآن، وتطورت مهامهم من حراسة رؤساء الدول القادمين عبر الانقلابات في دول العالم الثالث، أو حماية الحكومات نفسها، وآبار النفط ومناجم الماس في إفريقيا، إلى القيام بقلب أنظمة حكم ما، كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي «بوب دينار»، وكذلك في دول أخرى مثل غينيا وجزر سيشل وغيرهما من الدول.

بعد الحرب الباردة

وقد تنامت نشاطات الشركات الأمنية الخاصّة بعد نهاية الحرب الباردة، لتشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم المشورة العسكريّة لقوات الجيش والشرطة، بجانب تقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري، وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت والأشخاص، وتدريب قوات الجيش والشرطة، وجمع المعلومات العسكريّة وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء، وفي بعض الحالات المشاركة في القتال..

وقد تطورت مهام المرتزقة في العراق بشكل لا سابق لـه، حيث توكل إليهم مهام حراسة مشاريع ما يسمى إعادة إعمار العراق، وحماية الشخصيات المهمة، وحماية قوافل الإمدادات التي تمرّ في مناطق تحت سيطرة المقاومة العراقيّة، وحماية العديد من المؤسسات الحكومية الحساسة، إضافة إلى مقرّ الحكومة ومقرات قوات الاحتلال التي تعرف بـ«المنطقة الخضراء».

وفي سياق متصل، ذكرت تقارير صحفية في موسكو ــ نقلاً عن ضابط سابق في قوات المظليين الروس ــ أنّ أحد المكاتب تقدّم إليه بعرض للذهاب إلى العراق لمرافقة قوافل مساعدات إنسانية وحراسة بعثات منظمات دوليّة أو منشآت نفطية للشركات الأمريكيّة، ووصف الضابط هذه العروض بأنّها غطاء لمهمات أخرى يتمّ إجبار المرتزقة على تنفيذها، مثل: تمشيط الأحياء السكنيّة في المدن بحثاً عن المقاتلين، وأعمال الاستطلاع والتفتيش على الحواجز..

وتضم عناصر المرتزقة العديد من العناصر من جنسيات مختلفة من جنوب إفريقيا والنيبال وتشيلي وكولومبيا والسلفادور وهندوراس وإيرلندا وأسبانيا وبولندا والبرازيل و«إسرائيل»، وأخيراً انضمت لبنان، وروسيا؛ بحكم خبرة جنودها السابقين في أفغانستان والشيشان.. 

وللأسف الشديد يعمل مع هؤلاء المرتزقة عدد من العرب، وبأقل الأجور؛ قياساً إلى أقرانهم من جنسيات أخرى..

أشارت صحيفة «النهار» اللبنانية إلى أنّ نحو 70 لبنانياً قد انضموا إلى صفوف المرتزقة في العراق برواتب شهرية تتراوح بين 1000 ــ 4000 دولار شهرياً، وهي رواتب متدنية قياساً برواتب الفرنسيين والأمريكيين وحتّى الكرواتيين (1000 ــ 10000 دولار يومياً)..

وعلى صعيد الممارسات غير الأخلاقية، مارست عناصر المرتزقة التابعين لشركة «تيتان العسكريّة الخاصّة» عمليات استجواب وتعذيب وحشي ضدّ الأسرى العراقيّين في سجن أبو غريب، أدّت لوفاة عدد منهم تحت التعذيب، ولم تتمّ محاسبتهم، بل اقتصر الأمر على محاسبة بعض النظاميين، رغم ما أثارته عمليات التعذيب من ردود فعل عالمية واسعة، وكان التعاون بين شركات الحماية الأمنية والقوات النظامية في تلك المهام قد بدأ منذ حرب فيتنام، وخصوصاً من قبل الـ«سي آي أيه» ضمن برنامج سري عرف باسم «العمليات السوداء»، إذ كان المرتزقة يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضدّ المقاومين..

خصخصة قوات الاحتلال

وقد أبرمت قوات الاحتلال عقوداً قيمتها 100 مليون دولار في عام 2004م لحماية المنطقة الخضراء وحدها، وبدأت شركات الحماية الأمنية تعرض خدماتها على الحكومات في الدول المحتلة مباشرة للمساعدة في حفظ الأمن الداخلي، كما يقول «أندرو وليامز» من شركة «نورث بريدج للخدمات» في لقاء مع وكالة رويتر في 9/5/2006م.. 

وعلى الرغم من مواقف الحكومة البريطانية المعلنة ضدّ عمل المرتزقة، إلاّ أنّ واقع تسرّب أعداد من جنودها إلى تلك الشركات، وصعوبة الوضع الأمني في العراق، جعل هذه الحكومة تتخذ قراراً بالاعتماد على إحدى الشركات الأمنية الخاصّة لحماية سفارتها في بغداد مقابل 15 مليون جنيه إسترليني، وكثر الحديث مؤخراً عن الخطوات العملية باتجاه خصخصة حرب العراق لكلّ من القوات البريطانية والأمريكية التي تحتل العراق، وتتمّ عملية الخصخصة من خلال استبدال جنود الاحتلال بالمرتزقة..

وفي هذا الإطار تشير «الإندبندنت» البريطانية إلى أنّ نسبة القوات البريطانية النظامية بالعراق إلى قوات المرتزقة هي (1إلى 6)، حيث يبلغ إجمالي هذه القوات 48ألف مرتزق، بينهم 7 آلاف فقط من القوات النظامية..

ذراع الجيش الأمريكي 

وتحاول الولايات المتحدة أن تصوّر للعالم هؤلاء المرتزقة بأنّهم إما مقاولون أو متعاقدون تقتصر مهامهم على أعمال الحراسة وتأمين حماية المنشآت، في حين يشير الواقع إلى أنّ هؤلاء يمارسون مهام قتالية ضدّ المقاومة العراقيّة، إضافة إلى ارتكابهم جرائم ضدّ المدنيين العراقيّين يمكن تصنيفها قانونياً بجرائم حرب ضد الإنسانية. 

ووجود المرتزقة بأعداد ضخمة حوّل بغداد إلى عاصمة عالمية لشركات الحماية الأمنية وعاصمة للقتل. ويشير عدد من الخبراء إلى وجود آلاف الشركات التي توفّر المرتزقة في العالم، حيث توجد في العراق أكثر من 50 شركة أغلبها أمريكية، إضافة إلى شركات بريطانية و«إسرائيلية» ومن جنوب إفريقيا أيضاً. 

كما لا يقتصر وجود المرتزقة على شركات الحماية الأمنية، بل إنّ الجيش الأمريكي يضمّ أكثر من 35 ألف جندي لا يحملون الجنسية الأمريكيّة، يحمل بعضهم فقط بطاقة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة (البطاقة الخضراء)، فيما يحلم الآخرون بالحصول عليها أو على الجنسية الأمريكيّة فيما إذا كتب لهم العودة من العراق بعد انتهاء خدمتهم سالمين إلى الولايات المتحدة، وأغلب هؤلاء من الدول الناطقة بالإسبانية..

ويصعب التمييز بين القوات الأمريكيّة النظامية وبين المرتزقة من ناحية التسلّح، حيث إنّ هذه الشركات تمتلك أسطولاً من طائرات الهليكوبتر، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز في 20/4/2004م، وأنّ لهذه الشركات تحالفات مع بعض العشائر المحلية (وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من عشرين ألف مرتزق في العراق عام 2004م، ثم وصل عددهم إلى 120 ألف في عام 2006م).

وتضيف الصحيفة أنّ وجودهم الآن أصبح واضحاً في العراق حيث يتجولون في عربات مدرعة. وكثيرون منهم مدججون بأسلحة قتال بالغة التقدّم، وقد شكل بعض شركات الحماية الأمنية قوات للرد السريع، بل ووحدات مخابرات خاصّة بها تصدر يومياً تقاريرها الاستخباراتية التي تعتمد فيها على خريطة تواجدها في المناطق الساخنة. 

ويعتبر المرتزقة فصائل المقاومة العراقيّة العدو الأول لهم في العراق، مما جعلهم يخوضون صراعات ضارية معها، رغم عدم التكافؤ في التسليح والدعم اللوجستي والمعنوي من الطرفين، وبالأخص الدعم الإعلامي المكثف الذي يشكّل غطاءً يحول دون الكشف عن جرائمهم ضدّ المدنيين العراقيّين، كما أنّ الفوضى الأمنية وغياب سلطة الدولة تماماً، أو تواطؤها سهّل كثيراً مهمة تبرير جرائم المرتزقة، إذ إنّ السلطات العراقيّة لا تمتلك الحقّ في الاحتفاظ بهم أو التحقيق معهم؛ طبقاً للأمر الإداري رقم 17 الذي أصدره الحاكم المدني بول بريمر. 

وليس بعيداً عن الأذهان قيام الشرطة العراقيّة بإلقاء القبض على ثلاثة أشخاص كانوا يقومون بزرع عبوات ناسفة قرب مقرّ أحد الأحزاب في مدينة البصرة يوم 9/3/2006م. وبعد التحقق من هوياتهم تبيّن أنّهم جنود بريطانيون متنكرون بزيّ عربي، وأنّ قوات بريطانية قامت على الفور باعتقال عناصر الشرطة العراقيّة، ومعهم البريطانيين الثلاثة الذين أفرجت عنهم وأبقت على عناصر الشرطة العراقيّة قيد الاعتقال، ما يشير بأصابع الاتهام إلى أنّ هؤلاء من المرتزقة وليسوا من القوات البريطانية النظامية..  

مرتزقة وفرق موت ومليشيات

لا يمكن تناول موضوع المرتزقة وفرق الموت؛ دون التوقف قليلاً عند أهم مهندسي عمل هؤلاء.

ففي أبريل 2004م عينت الولايات المتحدة جون نيجروبونتي  سفيراً لها في بغداد، في 28 يونيه 2004م، ومعروف عنه تاريخه الدموي في فيتنام حيث أشرف على تسليح وتدريب وتمويل فرق الموت المتخصصة في التعذيب والتحقيق والاغتيال والقتل لأكثر من 40000 من المقاومين الفيتناميين، ثمّ عمل في الفلبين والمكسيك قبل انتدابه إلى العراق. 

وكانت فترة عمل نيجروبونتي سفيراً في هندوراس عام 1980م محطة لا تقل أهمية عن عمله في فيتنام والسلفادور، حيث عمل على تشكيل فرق موت أشهرها الفرقة 316 للمساعدة في قمع انتفاضة شعب هندوراس ضدّ الجنرال مارتنيز. وقد نجح في هذا إلى الحد الذي تمكن فيه من تحويل البلد إلى قاعدة لفرق الكونترا المعروفة بعملياتها الإرهابية ضدّ المدنيين في نيكاراجوا، لزعزعة الاستقرار الداخلي وقلب نظام الحكم فيها، وأسّس فرقاً مماثلة في السلفادور قامت بعمليات ذبح وحشية للمئات من المزارعين المدنيين، وأخيراً نقل سفيراً إلى العراق بتوصية من وكالة المخابرات المركزية للقيام بذات الأفعال الإجرامية التي تمرّس عليها طيلة تاريخه الدموي من أجل إرهاب المقاومين والمتعاطفين معهم من العراقيّين. 

وعرف العراق أول فرقة من فرق الموت بعد الاحتلال التي شكلها زعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي، تحت اسم «أحرار العراق»، ويبلغ عدد عناصرها حوالي 1000 عنصر تدربوا في المجر والولايات المتحدة، وأغلبهم ضباط وجنود عراقيون من الجيش السابق تمّ أسرهم خلال حرب 1991م أو فروا منها..

هذه الفرقة مسؤولة عن عمليات نهب المتاحف العراقيّة والآثار، والسطو على البنك المركزي العراقي بمساعدة وحدة خاصّة في الجيش الأمريكي يديرها ضابط من أصل يهودي. 

استهداف الكفاءات العراقية

وظلت العقول والكفاءات العراقيّة هدفاً للمخابرات الإقليمية والدوليّة وللمرتزقة العاملين في شركات الحماية الأمنية والشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة، فخلال الأشهر السبعة الأولى بعد الاحتلال تمّ اغتيال سبعة من كبار الضباط العاملين في جهاز المخابرات العراقي السابق، ومن العلماء العاملين في الأسلحة والصواريخ، ومن الكفاءات الطبية..

وتؤكد المصادر أنّ الموساد الصهيوني يقف وراء هذه الجرائم بالتنسيق مع قوات الاحتلال، بالتعاون مع فرقة «الثعالب الرمادية» الأمريكية، حيث استهدفت ضباط مخابرات كانوا يعلمون في «شعبة إسرائيل» بالمخابرات العراقية، ومن ضمنهم «مثنى الألوسي» مسؤول متابعة الشؤون العلمية «الإسرائيليّة» في المخابرات العراقيّة، وقد اغتيل بمسدس كاتم للصوت في سوق تجاري مزدحم، كما جرى اغتيال الدكتور محمد الراوي أحد أكثر الكفاءات الطبية العراقيّة شهرة بسلاح مماثل في عيادته الطبية ببغداد.. 

وتعتمد قوات الاحتلال على العناصر «الإسرائيلية» العاملة بالعراق في مجالات حيوية تسهل مهمة القضاء على المقاومة العراقيّة، مستفيدة من خبراتهم في مواجهة المقاومين الفلسطينيّين؛ في انتزاع الاعترافات من المعتقلين بأساليب تعذيب وحشية. ويمكن ملاحظة أوجه الشبه الكبير بين الأسلوبين الأمريكي والإسرائيلي في حصارها المدن ومطاردة المقاومين من خلال المداهمات والإنزالات الليلية وتفتيش المنازل، دون استثناء أثناء فرض الحصار الكامل على المدن والأحياء، وكذلك استخدام الطائرات الحربية في قصف المنازل المشتبه بإيوائها للمقاومين وملاحقتهم ورصدهم عبر الطائرات المسيرة الموجهة عن طريق الأقمار الصناعية، واستخدام طائرات الأباتشي على غرار ما يحدث في فلسطين..

ستيل وكاستل 

ولعب الجنرال الأمريكي جيمس ستيل دوراً في عملية تطوير قوات مغاوير الداخلية، وهو ضابط سابق في القوات الخاصّة الأمريكيّة، دشّن خبرته في فيتنام قبل تحوله إلى إدارة المهام الأمريكيّة في السلفادور في ذروة الحرب الأهلية هناك، وهو مسؤول عن اختيار عناصر فرق الموت المتسببة بأكثر من 60 % من الإصابات في إطار مكافحة التمرّد، وهم في حقيقتهم ليسوا سوى مدنيين عزل. 

أمّا زميله الجنرال «ستيفن كاستل»، أقدم مستشار أمريكي في وزارة الداخلية العراقيّة، فقد اكتسب خبرته في أمريكا اللاتينية أثناء حروب كولومبيا ضدّ المخدرات في التسعينيات، كما عمل مع القوات المحلية في بيرو وبوليفيا، وأشرف بالتنسيق مع السفارة الأمريكيّة في «بوجوتا» على تشكيل فرقة الموت الكولومبية المسماة (أي يوسي) المسؤولة عن أكثر من 80 % من أخطر حالات انتهاك حقوق الإنسان..

وقد أوكل السفير نيجروبونتي إلى الجنرالين مهمة تنفيذ ما أسس لـه عبر فرق الموت التابعة لشخصيات عراقية، والتي مولت وسلحت ودرّبت على أعمال القتل والاغتيال والانتقام، وهي لا تدين بأيّ ولاء للحكومة العراقيّة بل إلى الشخصيّات التي تتبناها. 

 بعد مضيّ أشهر على تشكيل فرق الموت الطائفية في العراق، بدأت الساحة العراقيّة تشهد ظاهرة غير مسبوقة، حيث عشرات الجثث التي يعثر عليها يومياً، بمعدل 50 جثة يومياً في أنحاء متفرقة من بغداد لأشخاص تمّ اختطافهم من بيوتهم أو من مقرات عملهم أو من المساجد أو من قبل نقاط تفتيش أثناء تنقلهم بين أحياء بغداد، وتتمّ هذه العمليات على أساس هوية الانتماء الطائفي، وهم في غالبيتهم المطلقة من العرب السنّة.>

 

Exit mobile version