«أنتوني أرنوف»: في العراق 180 ألف مرتزق ومتعاقد.. منهم50 ألفاً مسموحٌ لهم بحمل الأسلحة

تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ـ يوم الأحد 16سبتمبر2007م ـ الحادث الإجرامي الذي قام فيه مرتزقة شركة «بلاك ووتر» الإرهابية بقتل وجرح العشرات من المدنيين العراقيين، أثناء مرافقتهم لموكب تابع لوزارة الخارجية الأمريكية عند الساعة الثانية عشر ظهراً بتوقيت العاصمة بغداد، حيث فتح عناصر المرتزقة النار بشكل هستيري وعشوائي على المواطنين الأبرياء من المارة قرب ساحة النسور غرب العاصمة العراقية بغداد، ووقع عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح، قيل إن عددهم تجاوز العشرين..

وليست هذه المرَّةَ الأولى التي تتورط بها عصابات ما تسمى بشركات الحماية الأمنية الخاصة، مثل «بلاك ووتر» وغيرها، بمثل هذه «الجريمة الإرهابية» بحق الأبرياء، فقد وقعت مئات الجرائم المماثلة منذ أبريل 2003م، وكان ضحاياها من المدنيين العزل، وفي الغالب من المارة والمتسوقين والبسطاء والعمال الكادحين.. وتقدِّر تقارير أمنية وطبية عراقية عدد ضحايا شركات الحماية الخاصة (المرتزقة) بما يقارب العشرين ألف مدني عراقي منذ الغزو الأمريكي.

تراجع حكومي!

ويبدو أن هذه الجرائم الإرهابية المتكررة لن تتوقف!! فبالرغم من أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سارع وأعلن بعد الحادث أن حكومته قررت إيقاف عمل شركات الحماية الأمنية وبخاصة شركة بلاك ووتر ـ كما أعلن وزير الداخلية جواد البولاني أن وزارته ألغت الترخيص الخاص بالشركة، التي تُعْنَى بحراسة المسؤولين الأمريكيين وبعض العراقيين، وأن منفذِّي الجريمة سيُحالون للقضاء العراقي ـ إلا أن تلك التصريحات سرعان ما تبخَّرت، فقد تراجعت الحكومة وأعلنت أنها سمحت للشركة بالاستمرار في عملها!! فقال علي الدباغ الناطق باسمها: «إن القرار يقضي فقط بمنع بلاك ووتر من النشاط إلى حين انتهاء التحقيق، ونحن لا ننوي وقفهم أو سحب ترخيصهم نهائياً، ولكننا نريد منهم أن يحترموا القانون واللوائح هنا في العراق.. نحن نتفهَّم ونحيِّي الشركات الأمنية على تقديمها مستوى من الحماية ليس متوافراً للدبلوماسيين والمسؤولين والشركات الأجنبية العاملة في العراق»!! وأتى الرد سريعاً من قِبَل المتحدثة باسم البيت الأبيض «دانا بيرنيو» بتصريح صحفي مفاده أن «الشركة باقية في العراق ولن ترحل أو توقف عملها بسبب حماية السفارة الأمريكية وعدد من أعضاء الحكومة»!!

بلاك ووتر.. فوق القانون!

والمعروف أن شركة «بلاك ووتر» كُلِّفت منذ الاجتياح الأمريكي للعراق في مارس 2003م بحماية الحاكم الأمريكي السابق «بول بريمر» والسفيرين السابقين «جون نيجروبونتي»، و«زلماي خليل زاد»، والحالي «راين كروكر».. وقد أبرمت عقوداً مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بمئات الملايين من الدولارات.

وعناصر هذه الشركة من المرتزقة مكروهون في العراق، ومعروفون ببطشهم، ويُشتهَرون بأنهم يفتحون النار بدون تمييز على السيارات وعلى المارة، ويتصرفون بكل استقلالية، ولا يُحاسَبون على أعمالهم سوى أمام مسؤوليهم باعتبار أنهم لا يتبعون القانون الدولي الخاص بالنزاعات. وكان «بول بريمر» أقرَّ قانوناً ـ بتاريخ 27/6/2003م ـ يمنح الحصانة القضائية المطلقة لعناصر مرتزقة «بلاك ووتر» وسواها من الشركات الأمنية الخاصة، تجاه أي عمل تقوم به، ومازال هذا القانون نافذاً بحق الحكومة الحالية!!

وفي الوقت الذي قررت فيه وزارة الداخلية العراقية إحالة منفِّذي جريمة ساحة النسور إلى القضاء العراقي، أعلنت «بلاك ووتر» بصرامة أن قواتها فوق القانون، ولا يمكن مساءلة أفرادها.. ولا أحد يدري كيف يمكن حل هذه الإشكالية بين الحكومة العراقية وقوات التحالف التي تقودها واشنطن، والتي تعتمد اعتماداً أساسياً على هؤلاء المقاولين المرتزقة في القيام بالمهام القذرة، وتأمين الدبلوماسيين وكبار الشخصيات التي تزور العراق.. وقد أبرمت شركة «بلاك ووتر» عقوداً بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات مع وزارة الدفاع الأمريكية، وتستخدم هذه الشركة ـ التي يوجد مقرها في ولاية «نورث كارولينا» ـ رعايا أمريكيين خدم معظمهم في القوات الخاصة في الجيش الأمريكي.

180ألفاً و.. هليكوبتر ومدرعات!

وتستخدم هذه الشركات معدات تقترب من الجيش النظامي؛ كالأدوات القتالية المتوسطة، وفي بعض الأحيان الثقيلة، بل إن جزءاً منها يستخدم طائرات الهليكوبتر والمدرعات لتنفيذ أعمال قتالية وهجومية. 

وتأتي القوات الأمنية الخاصة في العراق في المرتبة الثانية ـ من حيث عدد أعضائها ـ بعد جنود الولايات المتحدة الأمريكية الذين يُقدَّر عددهم بـ130 ألف جندي، في حين يصل أعضاء الشركات إلى 100 ألف شخص يعملون في 130 شركة أمنية، كما يبلغ حجم أعمالها في العراق ما يقارب 100 مليار دولار.. وأعلن مراقبون أمريكيون أنه على الرغم من كشف جريمة أكبر شركات المرتزقة في العراق، إلا أن عدد قوات المرتزقة في البلد العربي المحتل تبقى أعلى بكثير من عدد قوات الاحتلال الأمريكي الرسمية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية بعد أن بلغت ما يقرب من 180 ألفاً.

وتقول سلطات الاحتلال الأمريكي أن «الوضع الأمني في العراق «متأرجِّح»، وهناك حاجة لخدمات الحماية الأمنية من مختلف الجهات، حيث تؤمّن هذه الشركات الحماية الأمنية للدبلوماسيين الأمريكيين في العراق ومسؤولين عراقيين وعدد كبير من البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق».. غير أن مراقبين أمريكيين قالوا إن القرار العراقي الأخير يُبرِز دور المرتزقة الأجانب في العراق.

الأكثر تأثيراً ونفوذاً: وأوضح الكاتب الأمريكي «أنتوني أرنوف» ـ مؤلف كتاب «العراق.. منطق الانسحاب» ـ في تصريحات تلقت وكالة أنباء «أمريكا إن أرابيك في واشنطن» نسخة منها قائلاً: «إن في العراق 165 ألف جندي أمريكي، إلى جانب 180 ألف مرتزق ومتعاقد، منهم حوالي50 ألفاً مسموحٌ لهم بحمل الأسلحة».. وأضاف: «إن الحصانة التي تمتعت بها شركة «بلاك ووتر» في العراق تثير قضايا أكثرَ عمقاً حول طبيعة الاحتلال الأمريكي، فبهذا النمط نجد أن أعداد القتلى العراقيين والمصابين والمشردين في تزايد باستمرار».. وأكد الكاتب الأمريكي أن أعداد القوات الأمريكية وصلت إلى أعلى رقم لها منذ بدء الاحتلال في مارس2003م، فقال: «إن مستويات القوات في العراق في أعلى نقطة لها منذ الغزو، كما قال الرئيس بوش: إن الاحتلال سيستمر حتى في الإدارة القادمة، وإن التقديرات المحتملة لخفض القوات الأمريكية سوف تترك قوة احتلال أخرى هائلة تشمل هؤلاء المرتزقة داخل العراق ولمدة سنين قادمة».

أما المؤلف الشهير «جيرمي سكيل» ـ مؤلف الكتاب الرائج، «بلاك ووتر.. جيش المرتزقة الأقوى في العالم»، الذي كان من أوائل الكتب في العالم التي سلطت الضوء على وجود المرتزقة في مرافقة قوات الاحتلال الرسمية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في العراق المحتل ـ فقال في تصريحاته المكتوبة التي تلقت وكالة أنباء «أمريكا إن أرابيك» نسخة منها: «إن شركة بلاك ووتر هي مجرد شركة واحدة فقط تعمل بحصانة وأمان كاملين في العراق، وتقوم عملياً بمضاعفة أعداد القوات الأمريكية في العراق.. غير أن «بلاك ووتر» هي الأكثر تأثيراً ونفوذاً بين كل تلك الشركات.. لقد خلقت واشنطن من الناحية العملية جيشاً في الظل من أجل تفادي أمرين مهمين: أولاً الرأي العام، وثانياً الرقابة العامة». 

 وأشار «سكيل» ـ في تحليله لرد فعل الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي الموالي لواشنطن ـ إن القرار ربما يتغير مستقبلاً، وأضاف قائلاً: «ارتكب نوري المالكي أخطاء باعتقاده لمدة 15 دقيقة خلال اليوم الماضي أن هناك حكومة عراقية ذات سيادة حقاً ـ حينما قام بطرد «بلاك ووتر» ـ لكن يبدو أن مجهوداً دبلوماسياً مضاداً قوياً يتم الآن».

شاهد عيان

قال المحامي «حسن جابر سلمان المياحي»، وهو أحد الجرحى الذين يرقدون في مستشفى اليرموك لوكالة «فرانس برس» إن الانفجار وقع بالقرب من ساحة النسور فيما كان متوجهاً إلى وزارة العدل حيث كان لديه موعد هناك، موضحاً أنه «بعد ذلك قامت أربع من سيارات المرتزقة بإغلاق الشارع بصورة كاملة، وبدؤوا يأمرون الناس بالرجوع إلى الخلف باللغة الإنجليزية.. وكانت أمامنا سيارتان فقط من المدنيين، وقمنا فعلاً بالاستدارة والعودة، وابتعدنا حوالي 150 متراً منهم، وبعدها بلحظات ـ وظهورنا لهم ـ أطلقوا النار علينا بصورة كثيفة ومباشرة بأسلحة أوتوماتيكية متوسطة وثقيلة».

 وأضاف: «أُصيبت سيارتي بـ12 طلقة من الخلف دمرتها بالكامل، وأُصبتُ أنا بأربع طلقات في ظهري وأخرى في ذراعي»، مشيراً إلى أن «الانفجار وقع في مكان بعيد جداً عن منطقة الحادث، ولم يكن هناك أي مبرر لهذه الفعلة من قبل المرتزقة».. وقال: «لقد قتلوا حتى شرطي المرور الذي كان يقف أمامي في ساحة النسور، ورأيت امرأة مُسنَّة تحاول إخراج ولدها الذي قُتل في داخل سيارته، فقاموا أيضاً بقتلها». وأكد أنه رأى العشرات من المواطنين يزحفون على الأرض خارج سياراتهم والنيران فوق رؤوسهم، وأوضح قائلاً: «عندما أُصبتُ فقدت الوعي بصورة جزئية، واتجهتْ سيارتي بسرعة إلى أحد الحواجز وارتطمت بشاحنة محملة بالغاز، وبعدها جاء جنود عراقيون سمعتُهم يرددون: «إنه جريح»، وأخرجوني من نافذة السيارة بعد أن تأكدوا أنني محامٍ».. وانتقد «المياحي» ـ وهو أب لثمانية أطفال ـ الإدارة الأمريكية بقوله: «هل هذه هي الديمقراطية التي وعدونا بها؟!!».

المرتزقة.. والمسيحية الصهيونية

ويبدو أنها لن تكون المرة الأخيرة في سلسلة تجارة وسياحة القتل الرخيص، تلك التجارة المزدهرة اليوم في العراق، إذ إن الشركة ومرتزقتها العاملين في العراق ـ منذ الغزو وحتى الآن ـ لا يخضعون للقوانين العراقية القضائية.. ويُعتبر هؤلاء المرتزقة وغيرهم من المنتسبين لشركات الأمن الخاصة العاملة على الساحة العراقية أحد الأذرع العسكرية السرية الطويلة حول العالم «للمسيحية الصهيونية، تلك الكنيسة الشاذة التي يؤمن بها «بوش الصغير» وعصابته من المحافظين الجدد كعقيدة دينية متطرفة تتغنى بترنيمة إبادة شعب «بابل» على بكرة أبيه، وإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم بغرض التهيؤ لنزول مسيحهم الدجال»!!<

 

Exit mobile version