د. يوسف راميتش لـ«المجتمع»: القرآن دستورنا ويجب العناية به فهماً وترجمة وتنزيلاً

د. يوسف راميتش، من العاملين في صمت، منذ ما يزيد على 40 عاماً، سافر إلى مصر عام 1962م، حيث درس في كلية اللغة العربية، وتخرج سنة 1967م، ثم سجل في الدراسات العليا،

د. يوسف راميتش، من العاملين في صمت، منذ ما يزيد على 40 عاماً، سافر إلى مصر عام 1962م، حيث درس في كلية اللغة العربية، وتخرج سنة 1967م، ثم سجل في الدراسات العليا، وحصل على الإجازة سنة 1969م، كتب عن «لامية العرب» للشنفرا، و«مقامات» الحريري. وفي القاهرة أيضاً حصل على الدكتوراه عام 1974م، وكان موضوعها «أسرة المويليهي وأثرها في الأدب الحديث». عاد د. يوسف راميتش إلى البوسنة في السبعينيات من القرن الماضي، وعمل في مكتب رئيس العلماء، نعيم حجي عبديتش، حتى افتتاح كلية الدراسات الإسلامية عام 1977م، ومنذ ذلك الحين وهو أحد فرسانها، يكتب في عدد من الدوريات من بينها مجلة «جلاسنيك»، حيث تسيطر علوم التفسير على اهتماماته، وله كتاب عن أسباب النزول، وكان السيوطي وكتابه «لباب النقول في أسباب النزول» من مصادره، حيث عاد لمصادر أخرى من أهمها كتب التفسير، وقد طبع الكتاب أكثر من مرة، كما له كتاب مهم حول «الأدب الإسلامي»، وتحدث عن تأثر هذا الأدب بالقرآن الكريم، وكذلك بالحديث، وتناول فيه القيم الروحية للقرآن، وتطرق لشعر حسان بن ثابت، وقام بتحليل قصيدته «عفت ذات الأصابع، فالجواء بلا عذراء منزلها خواء»، وتتكون من 32 بيتاً، وعن ذلك يقول: «حسان بن ثابت وضع لنا تاريخ الإسلام في قالب شعري». في كتابه «ترجماتنا للقرآن»، تناول العديد من الترجمات، من بينها 10 ترجمات باللغة البوسنية، آخرها ترجمة تفسير محمد أسد، ويعتبر راميتش ترجمة كركوت أفضل الترجمات، 

وحول ترجمات القرآن أجرت «المجتمع» مع يوسف راميتش هذا الحوار:

 أولى التجارب

 * لو تحدثونا عن ترجمات معاني القرآن الكريم في البلقان وبالأخص في البوسنة، لا سيما وأن لديكم كتاباً في هذا الخصوص؟ – في عام 1895م ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم، على يد القسيس الأرثذوكسي «ميشو ليوبي براتيشيتش»، ثم ما لبث المسلمون أن أصدروا ترجمتهم لمعاني القرآن الكريم، والتي قام بها الشيخ «كارابيغ»، وهي الترجمة الثانية التي اعتمدت على المصدر الذي أخذ منه «براتشيتش»؛ أي عن الفرنسية، ومن ثم توالت ترجمات معاني القرآن الكريم، فصدرت ترجمة «جمال الدين تشاوشيفيتش»، الذي تولى رئاسة العلماء في البوسنة، وقد ترجم معاني القرآن الكريم من التركية، ولها تعليقات في الهوامش، وهناك ترجمات لمعاني القرآن الكريم من لغات أخرى كالإنجليزية، والفرنسية، والروسية، وغيرها، وقد ظهرت في تركيا آنذاك أي في أوائل القرن العشرين، ترجمات عن الإنجليزية واللغات الأخرى، وقد وصلت إلينا، وأول ترجمة وأفضلها حتى الآن، هي التي قام بها «بسيم كركوت» عن النص القرآني الأصلي باللغة العربية. والكتاب هو حصيلة لهذا الجهد، مع نقل ما كتبه الآخرون، ومن بين الترجمات التي تناولتها في كتابي، ترجمة الأستاذ الفاضل «د. أنس كاريتش»، وكذلك ترجمة «د. أسعد دوراكوفيتش»، الأستاذ في كلية الفلسفة، وقد عثرت على أخطاء رأيت من الفائدة الإشارة إليها، ضمنتها هذا الكتاب، والذي يحمل عنوان «ترجماتنا للقرآن» في البلقان، وإضافتي لكلمة البلقان الآن، هي بسبب تناولي أيضاً للترجمات باللغة الألبانية، وكذلك الترجمات باللغة المقدونية. 

صيغ بلاغية

 * ما الأخطاء التي عثرتم عليها؟ – كما قلت: نحن نعتبر القرآن دستورنا، لذلك يجب الإشارة إلى أي أخطاء نلاحظها في التفاسير، أو في ترجمات معاني القرآن الكريم، ففي ترجمة «دوراكوفيتش» نجد أنه حاول نقل الصيغ البلاغية في القرآن، وكان الأسلوب القرآني هو ما أراد أن يبلغه، لكنه لم يستطع تحقيق ما هدف إليه، لأن نقل البلاغة العربية مهمة صعبة للغاية، وفي المقابل وقع في أخطاء، ومن ذلك ترجمة قوله تعالى: وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}(ص:24)، 

فأبدل المبتدأ مع الخبر، كما أخطأ في ترجمة { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}(القدر)، 

فترجمها: «هي سلام حتى مطلع الفجر»، وفي آية: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ “100”}(الأنعام)، 

والتقدير: وجعلوا لله الجن شركاء، ويجوز أن يكون الجن بدلاً من شركاء، والمفعول الثاني لله، وأجاز الكسائي، رفع الجن بمعنى هم الجن، وخلقهم، كذا قراءة الجماعة؛ أي خلق الجاعلين له شركاء، وقيل: خلق الجن الشركاء، وقرأ ابن مسعود وهو خلقهم، بزيادة هو، وقرأ يحيى بن يعمر: وخلْقهم، بسكون اللام، وقال: أي وجعلوا خلقهم لله شركاء، لأنهم كانوا يخلقون الشيء ثم يعبدونه، والآية نزلت في مشركي العرب، ومعنى إشراكهم بالجن، أي أنهم أطاعوهم كما يطيعون الله عز وجل. وكلمة خرقوا تعني عند اللغويين اختلقوا وافتعلوا، وخرقوا على التكثير قال مجاهد وقتادة وابن زيد وابن جريج: خرقوا أي كذبوا، ويقال: معنى خرق واخترق واختلق سواء، أي أحدث. 

أخطاء في الترجمة

 * هل هناك أمثلة أخرى؟ – الأمثلة كثيرة جداً، خذ مثلاً ترجمة قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}(الفيل)، فقد ترجموها: ألم تسمع، والصحيح هو، ألم تعلم؛ لأن الله سبحانه أخبر النبي “صلى الله عليه وسلم” بذلك، بقطع النظر عما كان يدور في المنطقة من حديث حول ما جرى عندما ولد الرسول “صلى الله عليه وسلم” في نفس العام. لذلك تفسير «ألم تر» هي أفضل تعبير من جميع الصيغ بما في ذلك ألم تعلم؛ لأن علم اليقين هو مشاهدة لا شك فيها، ولا خدعة بصرية تعتريها، إنه علم بمثابة عين اليقين، إضافة لتقديم الخبر، وتأخير المبتدأ، وما تعلمناه أن نبدأ بالمبتدأ ثم الخبر ثم المتعلقات، كما ترجموا { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الأَعْمَى(2)}(عبس) بأن ابن أم مكتوم كان جاهلاً لا يفهم شيئاً، فهو أعمى، والصحيح أن ابن مكتوم كان فاقداً للبصر، ولم يكن أعمى البصيرة، فقد كان يفهم ويعي ما يدور حوله، وهذا درس لنا، بأن نعتني بالإنسان من حيث هو إنسان، وليس لأنه يتولى ذلك المنصب، أو يتمتع بذلك الجاه. 

ردود أفعال

 * بعد صدور كتابكم «ترجماتنا للقرآن»، كانت هناك ردود أفعال كثيرة، من بعض المترجمين أنفسهم، كيف تصورون لنا ما حدث ولا يزال يحدث حتى الآن؟ – فعلاً، صدرت بعض ردود الفعل، وبعضها تجاوز الرد العلمي، إلى مهاجمتي، والتقليل من أهمية ملاحظاتي، ونقدي لجهودهم، وبعضهم استغل الفرصة للحديث عن نفسه، وعن أعماله، وسيرته الذاتية، بينما كان عليه الرد على المواطن التي انتقدته فيها، فما قمت به كان تصحيحاً للأخطاء التي قاموا بها، فمعرفة اللغة العربية وحدها لا تكفي، لترجمة القرآن الكريم، بل لا بد للمتصدي لهذا العلم، أن يكون ضالعاً في اللغة عالماً بمفرداتها وفلسفتها، وما يعرف بعلم اللغة، والكثير ممن تصدوا لترجمة القرآن الكريم سواء في منطقة البلقان، أو بقية بقاع الدنيا كانوا يجيدون العربية، لكنهم لم يكونوا علماء في اللغة، بل لا يتحدثون العربية بطلاقة، ويسألون محدثهم العربي أثناء الحديث عن الكثير من الكلمات والمعاني والأسماء، ويعتري نطقهم باللغة العربية الكثير من الأخطاء، سواء في مخارج الحروف، أو التأنيث والتذكير، أو ما يتعلق بالنحو والصرف، فضلاً عن بضاعتهم في التفسير، وأسباب النزول، وأقوال أهل اللغة في معاني الكلمات القرآنية، وسياق الآية، والاستعارة في القرآن الكريم، والتشبيه، والكناية، وغير ذلك. كما ينبغي ألا تكون هناك ترجمة حرفية، كقوله تعالى: { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } (البقرة:187)؛ إذ إن المفترض في العلاقة الزوجية، أن تذيب الحواجز النفسية والرسمية بين الزوجين، حتى كأنهما جسد واحد، وروح واحدة، وفيه معنى التكافؤ النفسي والبدني، وذلك يشرحه قوله تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة:228)، والمرأة تحب أن تتحدث عن زوجها عند رفيقاتها، فيكون كما لو كان لباسها الذي تراه الأخريات، إذ إن المرأة تريد أن يعرف الآخرون أن زوجها يحبها، ويحب هو أن تعتني به، وتحدث القرآن عن اللباس في الجنة، وعن اللباس الذي يقي الحر ويقي السهام، بل إن المرأة للرجل والرجل للمرأة حصن، ورداء يحفظهما من الانزلاق فيما حرم الله، قال تعالى: { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}(النور:26)، وللباس خصوصية هو عدم استخدامه من قبل الآخرين، وقد سبق القول: إن اللباس ألصق شيء بالإنسان. ويمكن ترجمة الآية كما ذكرها ابن عباس: «هن سكن لكم وأنتن سكن لهن»، ولا يمكن ترجمتها هن ثياب لكم وأنتم ثياب لهن، كما وردت في بعض الترجمات الفرنسية على سبيل المثال، فاللباس هنا لا يعني الثياب، ولكن مقاصد اللباس، والمجاز، والاستعارة هنا مفهومة جداً، وفي هذه الحالات يتم تقديم المعنى والمضمون على الشكل.

 

Exit mobile version