حوار مع رئيس «رابطة مسلمي فيجي» حافظ الدين خان لـ«المجتمع»:

حافظ الدين خان

المسلمون مندمجون في المجتمع ويعيشون حياتهم بحرية ويتعايشون مع الآخرين ولا يوجد عليهم أي تأثير، ويقيمون دينهم وشعائرهم بكل حرية

هذا ما حدث في «جزر فيجي» حينما استعمرتها بريطانيا، وجلبت إليها العمال والزراع من الهند وباكستان، ومن بينهم عدد كبير من المسلمين الذين عاشوا واستوطنوا وكوَّنوا مجتمعات إسلامية صارت اليوم أقلية كبيرة، ومنذ البداية أدرك المسلمون أنهم لابد لهم من التعليم وبناء المساجد والمدارس التي تحافظ على هويتهم الدينية من الانجراف والنسيان، وتمتد في أبنائهم وأحفادهم. 

 

ومرت عشرات السنين وهم يواظبون على هذا الإطار بجهودهم الذاتية بعيداً عن العالم الإسلامي الذي لا يهتم بهم، ولا يدري بوجودهم، وفي هذا الحوار نحاول إلقاء الضوء على واقع الأقلية المسلمة في فيجي، ونتعرف على ظروفها وأحوالها مع رئيس «رابطة مسلمي فيجي» السيد «حافظ الدين خان»، وذلك لدى زيارته لمقر الندوة العالمية للشباب الإسلامي بجدة.  

* بداية أعطنا لمحة عن جمهورية «فيجي»؟

– تقع «فيجي» في جنوب المحيط الهادئ، شرق «فانواتو»، وغرب «تونجا»، وجنوب «توفالو»، وكلمة «فيجي» تعني «جزر» باللغة التونجانية، وتقدر مساحتها 193000 كم مربع، وتمثل اليابسة منها حوالي 10%، وتتكون من 322 جزيرة، منها 106 جزر مأهولة بشكل دائم، وعاصمتها «سيوفا»، وتعد جزيرتي «فيتي لفيو» و«فانيوالفيو» أكبر جزرها، وتشكلان 87% من مساحة «فيجي»، والجزر الأخرى بركانية أو رملية مرجانية بعضها غير مأهول.

استعمرتها بريطانيا عام 1874م، وجلبت إليها العمال الهنود والباكستانيين لزراعة قصب السكر بين عامي 1879 و1916م، وصل عددهم إلى أكثر من 270 ألف نسمة، و40 ألف نسمة من جنسيات أخرى مختلفة، وفي عام 1970م نالت استقلالها عن بريطانيا، وديانتها الأولى هي المسيحية، تليها الهندوسية، ثم الإسلام، وسكانها الأصليون يسمون «أفرو» وترجع أصولهم لأفريقيا من 400 أو 500 عام.

* كيف دخل الإسلام إلى «فيجي»؟

– بدأ الإسلام دخولها من عام 1879م مع الاحتلال البريطاني حين جلب العمال والزراع جبراً من الهند وباكستان للعمل في مزارع قصب السكر والجزر وزراعة نخيل جوز الهند، وكان عددهم 6552 مسلماً، ويمثل هذا العدد 12.61% من جملة المهاجرين، وتبع هؤلاء مهاجرون آخرون من جزر الهند الشرقية، والملايو، ومن شرقي أفريقيا، حتى عام 1916م، وهكذا أخذ عدد المسلمين في التزايد حتى صاروا اليوم يقدرون بنسبة 6% من سكان البلاد، يسكن 79% منهم في القرى، بينما يتركز الآخرون في العاصمة «سيوفا».. ويمكن القول: إن الاحتلال صاحب الفضل في تواجد الإسلام في هذه الجزر، ولكن بدون قصد.

* متى تأسست «رابطة مسلمي فيجي» وماهي جهودها؟

– تأسست منظمتنا في عام 1926هـ، ومن بدايتها كانت الرؤية واضحة لمؤسسيها الأوائل الذين استوطنوا في فيجي، حيث شيدوا المساجد، وأقاموا بجوار كل مسجد مدرسة للتعليم وتحفيظ القرآن، حتى لا تجرفهم البيئة الجديدة، فتضيع عقيدتهم ودينهم، وهذا ما ساعد على حفظ الإسلام في قلوب الأجيال وعدم الذوبان في تقاليد غير تقاليدهم، كما لدينا في الرابطة أماكن مخصصة لإيواء الناس وكل من يعاني مشكلة أو ضائقة، أو في حاجة للمعونة والمساعدة، وتقدم لهم الرابطة ما يحتاجونه من إغاثات، وكذلك لنا دور كبير ومهم في الكوارث والأزمات وتقديم الإيواء والمساعدات الطبية، ولنا عناية بالشباب والطلاب، ونقوم بتوجيه قطاع كبير منهم إلى ثقافة التطوع، وإشراكهم في العمل الخيري وخدمة المجتمع.

* كيف ترى واقع الأقلية المسلمة في المجتمع؟

– المسلمون مندمجون في المجتمع ويعيشون حياتهم بحرية ويتعايشون مع الآخرين ولا يوجد عليهم أي تأثير، ويقيمون دينهم وشعائرهم بكل حرية، ويحظون باحترام وقبول جيد من أهل البلد، ولا يوجد أي نوع من أنواع التمييز والعنصرية.. وقديماً عانى المسلمون من الهندوس، الذين نقلوا معهم إلى فيجي ممارسات بغيضة، كالتي يمارسونها ضد المسلمين بالهند، ووصل الأمر إلى العديد من المصادمات بين الطرفين، على الرغم من أنهم ينتمون إلى موطن واحد، ولكن هذه الممارسات هدأت وبدأت الأمور تستقر، لأن الحكومة ترسي مبادئ المواطنة ولا تسمح بخلق هذه التحزبات والعنصريات الطائفية.

* ماذا عن نشاطهم الدعوي؟

– المسلمون في فتراتهم الأولى عنوا بإحياء شعائرهم التعبدية وبناء المساجد والمدارس الدينية للحفاظ على هويتهم الإسلامية، واستطاعوا أن يدخلوا الكثيرين من سكان البلاد والهندوس للإسلام.

وتعد «رابطة مسلمي فيجي» هي أولى الجمعيات الإسلامية التي أنشأها المسلمون منذ بدايتهم في عام 1910م وتستمر حتى اليوم، ويبلغ عدد الجمعيات والمراكز الإسلامية في فيجي 30 مركزاً، لكن «رابطة مسلمي فيجي» أكبر هذه الجمعيات، ويتبعها ما يزيد على 90 مسجداً ومصلى، وكل هذه الجمعيات نشطت في إنشاء الكتاتيب والمدارس والمساجد التي وصلت الآن قرابة 70 مسجداً ومدرسة، وتنتشر في أنحاء متفرقة من البلاد، ويسعى المسلمون إلى تزويد أنفسهم بالعلم الشرعي، ومن أجل ذلك رحلت أعداد منهم للدراسة في بلاد إسلامية مختلفة، ولكنها قليلة وتحتاج إلى زيادة هذا العدد، والتعاون مع المؤسسات الإسلامية باستضافة وكفالة الدارسين والطلاب. 

وبهذه الأنشطة نجح مسلمو فيجي في ترسيخ وجودهم وضمان مستقبلهم من خلال تعليم أبنائهم المبادئ الإسلامية، وقامت «رابطة مسلمي فيجي» بكل هذا المجهود بمفردها وبدون عون خارجي يُذكر، وإنما بتمويل مسلمي فيجي أنفسهم رغم فقرهم.

* حدثنا عن المدارس الإسلامية والهدف منها؟

– أهم ما عنيت به الرابطة الإسلامية والمسلمون عموماً في فيجي، هو التعليم الإسلامي، لأنه الطريق لحفظ الهوية وتربية الأجيال الناشئة على قيم الإسلام، فلدينا 24 مدرسة للمرحلة الثانوية، و19 للمرحلة الابتدائية، يمتلكها المسلمون، ويدرس بها 10 آلاف طالب، 65% منهم مسلمون، والبقية غير مسلمين، ومنهج هذه المدارس وأغلب أهدافها يقوم على مساعدة الطلاب على قراءة القرآن من سن السادسة والسابعة، وتعد هذه المدارس من أفضل 10 مدارس في الجزيرة. 

* كيف ترى قبولكم للطلاب غير المسلمين؟

– مدارسنا تقبل غير المسلمين؛ لأنها ليست حكراً على أبنائنا فقط، ولعل هذا يعطي تصوراً قوياً وإيجابياً عن استيعاب المسلمين للآخرين، ومدى تعايشهم وقبولهم للآخر، وهناك أيضاً مسلمون يلجؤون للمدارس الأخرى فـ80% من أبناء المسلمين في مدارسنا الإسلامية، و20% في مدارس أخرى. 

* ما أبرز العوائق التي تواجه المسلمين في فيجي؟

– المشكلات الحالية تتمثل في ضعف التعليم الديني، فرغم وجود المدارس الإسلامية وتعددها، فإن الحصول على المدرسين البارعين في التعليم ضعيف جداً، وكذلك الكتب المترجمة، ولا توجد مناهج واضحة للتعليم، كما يعاني أئمة المساجد والدعاة من ضعف في الثقافة الإسلامية، إنهم يحتاجون للدراسة الواعية التي تؤهلهم لحمل الدعوة والإحاطة بتصورات الإسلام، حتى يكونون نواة هداية وعنواناً معبراً للإسلام عن دراية وفهم، كما لدينا فقر في الكتب الإسلامية المترجمة؛ إذ لا يوجد كتب مترجمة بالفيجية التي هي لغة البلاد الأصلية، وأغلب المترجَم باللغة الأردية أو الإنجليزية، كما يعاني مسلمو فيجي من قلة اهتمام العالم الإسلامي بهم وعدم مساعدتهم.

ورغم وجود هذه العقبات والتحديات، فإن المسلمين نجحوا في الاندماج في مجتمع بلادهم، حتى أصبح لهم وجود في الحكومة والمراكز العامة، وكذلك في المجالس النيابية بما يتناسب مع نسبتهم في البلاد، حتى الأعياد الإسلامية أصبحت أعياداً قومية في البلاد، ويعتبرها الكثيرون أعياداً لهم، ويشاركنا السكان على اختلاف جنسياتهم وأديانهم فرحتنا واحتفالنا.

* سكان فيجي، هل يميلون للطبيعة الشرقية أم الغربية؟

– أغلب السكان مسيحيون، ويحاولون تبني النمط الغربي، لكنهم في سلوكهم وطبيعتهم شرقيون، ولكن من الصعب تجنب الثقافة الأوروبية في فيجي، فمن 50 – 55% من أبنائنا يزوجون أنفسهم بأنفسهم تماماً كالنمط الغربي، ولكن رغم وجود كثير من الأفعال المطابقة للغرب، فإن هناك حيزاً كبيراً من الأدب والاحترام للآداب العامة والتقاليد، ولمدارسنا فضل كبير في إرساء معالم هذه التربية، والقيام بهذا الدور في التوجيه.

* ما أبرز مشكلات الشباب المسلم؟

– أكبر المشكلات التي تواجه شبابنا المسلم هي التوظيف والحصول على فرصة عمل، فهم مؤهلون، لكن الفرص قليلة، وهناك من يأتي للعمل من دول أخرى، كما توجد المشكلات العامة التي يعاني منها أغلب الشباب في العالم كالمخدرات وبعض صور الانفلات الأخلاقي. 

* كيف ترى مستقبل الإسلام في فيجي؟

– المناخ جيد لنشر الإسلام وتقبله، خاصة وأن المسلمين متحضرون في تصرفاتهم وسلوكهم، فهم يظهرون بصورة عصرية متمدنة ومسالمة، ورغبتهم قوية في بناء الوطن ونهضته، ومع وجود مساعدات ودعم من المؤسسات والمنظمات الإسلامية العالمية، وإيجاد شيء من الترتيب والتطوير في الجهود والإمكانات، نستطيع أن يكون عملنا متميزاً وجيداً.

* إذن لا توجد محاولات لـ«الإسلاموفوبيا»؟

– بعض الأمريكيين يأتون إلى فيجي وينشئون الكنائس، ويحاولون إيجاد بعض صور الخصومة، لكن الحكومة تقف في وجه هذا بشدة ولا تسمح لإيجاد هذا التنافر بين طوائف المجتمع، أو من يُنمي روح الكراهية بين المواطنين.

* ماذا عن التنصير في أغلب جزر المحيط الهادئ؟

– التنصير متواجد ولكن بشكل غير مباشر، ويكون عن طريق المشروعات التنموية التي يقيمها المنصِّرون خاصة في المعاهد، وكان آخرها معهد تقني للفتيات الفقيرات اللاتي لا يجدن عملاً أو عائلاً يعولهم، حتى تدفعهن الحاجة إلى الاستجابة السريعة لما يُراد منهن، وفي نفس الوقت لا يوجد عمل تنصيري بين المسلمين، ولا يوجّه إلى أفرادهم، وذلك للوعي الشديد الذي يتحلى به المسلمون، وتمسكهم القوي بدينهم، وحرص الجالية منذ زمن بعيد على التعليم وإحياء قيم الإسلام.

* التشيع لا يقل خطراً عن التنصير بين كثير من الأقليات، فماذا عنه بينكم؟

– الشيعة لهم تواجد، ولكن تواجدهم لا يمتلك نصيباً كبيراً من التوسع في نشر مذهبهم، والحكومة تعرف بأمرهم، وربما لو أُتيحت لهم الظروف أكثر لبرز تواجدهم، لكن كثرة أهل السُّنة وتمسكهم بمذهبهم جعل أثرهم ضعيفاً.

 

Exit mobile version